صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ الْعَامِلُ فِي إِذَا مَعْنَى الْمُفَاجَأَةِ، تَقْدِيرُهُ وَقْتَ ذِكْرِ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ فَاجَئُوا وَقْتَ الِاسْتِبْشَارِ، فَمَعْنَى الْحَدِيثِ وَقْتَ مَشْيِي بِالْمَدِينَةِ، فَاجَأْتُ قَوْلَ إِنْسَانٍ خَلْفِي، فَحِينَئِذٍ بَيْنَمَا ظَرْفٌ لِهَذَا الْمُقَدَّرِ، وَإِذَا مَفْعُولٌ بِمَعْنَى الْوَقْتِ، فَلَا يَلْزَمُ تَقَدُّمُ مَعْمُولِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ، كَذَا حَقَّقَهُ الْحَنَفِيُّ (يَقُولُ) أَيْ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ بَلْ عَيْنُ الْأَعْيَانِ وَإِنْسَانُ الْعَيْنِ عَيْنُ الْإِنْسَانِ، حِينَ رَآنِي مُسْبِلًا إِزَارِي، وَغَافِلًا عَنْ حُسْنِ شِعَارِي، ثُمَّ قَوْلُهُ يَقُولُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْمَوْصُوفِ، وَالْمَقُولُ قَوْلُهُ: (ارْفَعْ إِزَارَكَ) أَيْ عَنِ الْأَرْضِ (فَإِنَّهُ) أَيِ: الرَّفْعَ (أَتْقَى) مِنَ التَّقْوَى أَيْ أَقْرَبُ إِلَيْهَا وَأَدَلُّ عَلَيْهَا ; لِأَنَّهُ يَدُلُّ غَالِبًا عَلَى انْتِفَاءِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَالتَّاءُ مُبْدَلَةٌ عَنِ الْوَاوِ ; لِأَنَّ أَصْلَهَا مِنَ الْوِقَايَةِ، فَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ تَوَهَّمُوا أَنَّ التَّاءَ مِنْ أَصْلِ الْحُرُوفِ، فَقَالُوا: تَقَى يَتَّقِي مِثْلَ رَمَى يَرْمِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنْقَى بِالنُّونِ مِنَ النَّقَاءِ، أَيْ أَنْظَفُ مِنَ الْوَسَخِ (وَأَبْقَى) بِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ أَكْثَرُ دَوَامًا لِلثَّوْبِ، فَعَلَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ بِالْمَصْلَحَةِ الدِّينِيَّةِ، وَهِيَ طَهَارَةُ الْقَلْبِ أَوِ الْقَالَبِ أَوَّلًا ; لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ بِالذَّاتِ، وَثَانِيًا بِالْمَنْفَعَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّهَا التَّابِعَةُ لِلْأُخْرَى، وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمَصَالِحَ الْأُخْرَوِيَّةَ لَا تَخْلُو عَنِ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ وَأَنْقَى مِنَ الدَّنَسِ وَفِي نُسْخَةٍ أَبْقَى، أَيْ أَكْثَرُ بَقَاءً فَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِلْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ؛ مَعَ أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الْمَعْنَوِيَّةَ تَقْتَضِيهَا بَلِ النَّقَاوَةُ هِيَ عَيْنُ التَّقْوَى أَوْ بَعْضُهَا فِي الْمَعْنَى، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِلَافَ النُّسَخِ فِي أَتْقَى لَا فِي أَبْقَى بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِتَعَدُّدِ النُّقْطَةِ الْفَوْقِيَّةِ، أَوْ بِوَحْدَتِهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَخِيرَ التَّصْحِيفُ ; لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِالْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَكَ وَجْهُ الْمُعَوَّلِ (فَالْتَفَتُّ) كَذَا بِخَطِّ مِيرَكَ فِي الْهَامِشِ وَاقِعًا عَلَيْهِ عَلَامَةُ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ، أَيْ نَظَرْتُ إِلَى وَرَائِي (فَإِذَا هُوَ) أَيِ الْإِنْسَانُ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فَاعْتَذَرْتُ عَنْ فِعْلِي (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ) أَيِ الْإِزَارُ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: (بُرْدَةٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ كِسَاءٌ يَلْبَسُهُ الْأَعْرَابُ (مَلْحَاءُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ تَأْنِيثُ أَمْلَحَ، وَالْمُلْحَةُ بِالضَّمِّ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ، وَقِيلَ: الْمَلْحَاءُ الَّتِي فِيهَا
خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ، وَقِيلَ: مَا فِيهِ الْبَيَاضُ أَغْلَبُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ مُلْحَاءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ فَهُوَ سَهْوُ قَلَمِهِ، وَكَأَنَّ الصَّحَابِيَّ أَرَادَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ لَا خُيَلَاءَ فِيهَا، وَأَنَّ أَمْرَ بَقَائِهَا وَنَقَائِهَا سَهْلٌ لَا كُلْفَةَ مَعَهُمَا، فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلَبِ الْإِقْتِدَاءِ بِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى كَمَالِ الْحِكَمِ الشَّامِلَةِ لِعُمُومِ الْأُمَمِ بِسَبَبِهِ، وَحِينَئِذٍ (قَالَ أَمَا لَكَ) بِاسْتِفْهَامٍ إِنْكَارِيٍّ وَمَا نَافِيَةٌ (فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ أَلَيْسَ لَكَ فِي فِعْلِي الْمُحْتَوِي عَلَى قَوْلِي وَحَالِي (أُسْوَةٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ قُدْوَةٌ وَمُتَابَعَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيِّ أَيْ فِي قَوْلِي فَلَا يُلَائِمُهُ، قَوْلُهُ: (