الاستثناء المتصل يكون ما بعده مخالفاً لما قبله من المعنى، وقوله:
((إنِّيْ لَا يَخَافُ لَدَىَّ المُرْسَلُونَ) تأمين، وقوِله (إلَّا مَنْ ظَلَمَ - إلى
قوله عز وجلّ - فإني غَفُورٌ رَحِيمٌ) تأمين أيضاً، فقالوا: فقد اتحد
المعنى فيهما فوجب ألَّا يكون من الأول، قالوا: ومثله من كلامهم
"ما اشتكى إلا خيراً" لأن الثاني مثل الأول في حصول الخير؛ لأن
(ما اشتكى) يدل على حصول الخير، وقوله: (إلا خيراً) مثل الأول، وكأنه
قال: "ما أذكر إلا خيراً "، قالوا: و"إلا" بمعنى " لكن " أي لكن من ظلم من
المرسلين وغيرهم، ثم تاب، فإني غفور رحيم.
وقال أبو القاسم: (إلا) بمعنى (لكن) ، قال: لأنه لَمَّا أطلق نفي
الخوف عن الرسل كان ذلك مظنة لطروء الشبهة، فاستدرك ذلك.
والمعنى: ولكن من ظلم منهم أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على
الأنبياء كالذي فرط من آدم، ويونس، وداود، وسليمان، وإخوة يوسف.
ومن موسى عليه السلام بوكزه القبطي، ويوشك أن يقصد بهذا التعريض
ما وجد من موسى عليه السلام، وهو من التعريضات التي يلطف
مأخذها، وسماه ظلماً كما قال موسى عليه السلام (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ) .
والوقف على هذين الوجهين كافٍ؛ لأن المعنى بعد (إلا) فيه تعلق بما قبلها.
وقال الفراء: يجوز أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا في
الكلمة، لأن المعنى لا يخاف لدي المرسلون، إنما الخوف على