سألتكم أجراً فخذوه، فهو لكم، وقوله (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ، لا
يعارض هذا، ولا ينافيه، وقيل: معناه: ما سألتكم من أجر إلَّا ما
هو لكم، وعائد بنفعه عليكم، وهو الإيمان، والإسلام، وطاعة الله عز
وجل، فتكون الآية على هذا في معنى إلَّا المودة في القربى؛ لأن المودة
في القرابة تلزمهم كما تلزمه، فإذا سألهم المودة في القربى، فقد سألهم
ما هو لهم، وما نفعه لهم، وذلك أن بطون قريش كلها بينها وبينه - صلى الله عليه وسلم - قرابة، فما سألهم على ما جاء به من الهدى، والفوز، والنجاة إلا مودتهم، وصلة الرحم بينهم وبينه، ولا خفاء أن ذلك راجع بالنفع عليهم، فالذي سألهم هو لهم.
وقيل: إن الأنصار افتخرت بأفعالها على قريش، فقال بعض
عترة النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم: لنا الفضل عليكم، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الأنصار: ألم تكونوا أذلة، فأعزكم الله بي؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: ألم تكونوا ضُلالاً، فهداكم الله بي؟ قالوا: بَلَى يا رسول الله
قال: أفلا تجيبونني؟
قالوا: ما نقول يا رسول الله؟
قال: ألا تقولون: ألم يخرجك قومك، فآويناك؟
ألم يكذبوك، فصدقناك؟
ألم يخذلوك، فنصرناك؟
فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا:
أموالنا، وما في أيدينا لله ولرسوله، فنزلت (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) .
وهذا المعنى أيضاً لا يعارض آية سبأ؛ لأن مودة قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم - نفعها لهم.
على أن هذا التأويل يعترض عليه أن السورة مكية، والمعنى الأول أحسن، وعليه العلماء.