قلت: وإذا كان القرآن هو المتواتر، فالشاذ ليس بقرآن؛ لأنه لم

يتواتر، فإن قيل: لعله قد كان مشهوراً متواتراً، ثم ترك حتى صار شاذاً.

قلت: هذا كالمستحيل بما تحققناه من أحوال هذه الأمة، واتباعها لما جاء

عن نبيها - صلى الله عليه وسلم -، وحرصها على امتثال أوامره، وقد قال لهم - صلى الله عليه وسلم -:

"بلغوا عني ولو آية"

وأمرهم باتباع القرآن، والحرص عليه، وحضهم على تعلمه.

وتعليمه، ووعدهم على ذلك بالثواب الجزيل، والمقام الجليل.

فكيف استجازوا تركه، وهجروا القراءة به حتى صار شاذا بتضييعهم إياه.

وانحرافهم عنه؟.

فإن قيل: منعوا من القراءة به، وأحرقت مصاحفه.

قلت: هذا من المحال، وليس في قدرة أحد من البشر أن يرفع ما أطبقت عليه الأمة، واجتمعت عليه الكافة.

وأن يختم على أفواههم، فلا تنطق به، ولا أن

يمحوه من صدورهم بعد وعيه وحفظه.

ولوتركوه في الملأ لم يتركوه في الخلوة، ولكان ذلك كالحامل لهم على أدائه، والجد في حراسته كي لا يذهب من هذه الأمة كتابها، وأصل دينها.

ولو أراد بعض ولاة الأمر في زماننا هذا أن ينزع القرآن، والعياذ بالله، من أيدي الأمة، أو شيئًا منه، ويعفي أثره لم يستطع ذلك.

فكيف يجوز ذلك في زمن الصحابة والتابعين؟ وهم هم، ونحن نحن.

على أنه قد روي أن عثمان، رضي الله عنه، قد قال لهم بعد ذلك

لما أنكروا عليه تحريق المصاحف، وأمرهم بالقراءة بما كتب: اقرؤوا كيف

شئتم، إنما فعلت ذلك لئلا تختلفوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015