المؤمن لا يلقى في النار دون جسده، ثم إن أراد نار الدنيا، فإنا لا نشك
في احتراق من يلقى فيها من حفظة القرآن، وقد وقع ذلك.
وإن أراد نار الآخرة فبعيد أن يقال: لو ألقي قلب المؤمن في النار ما احترق.
وأما قول الأصمعي لو جعل القرآن في إنسان ثم ألقي في النار ما
احترق، أي من حفظ القرآن من المسلمين لم تحرقه النار يوم القيامة إن
ألقي فيها، فذلك خلاف ما جاء في الأخبار الصحاح أن المؤمنين يحرقون
بتلك النار، ويخرجون حين يخرجون منها، وقد صاروا حمماً.
وأما قول من قال: كان ذلك في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَماً لنبوته، فذلك أيضاً غير صحيح؛ لأن ذلك لم ينقل، ولو كان كذلك لفعله المسلمون غير مرة ليقيموا به الحجة على المشركين.
وأما قول من قال: يحترق الإهاب، ولا يحترق القرآن فكلام لا
معنى تحته، لأن ذلك من المعلوم؛ لأن القرآن كلام الله، والكلام لا
بحترق، إنما تحترق الأجسام.
وكذلك أيضاً كلام الخلق لو كتب في كتاب، وألقي في النار لاحترق الكتاب دون الكلام.
وإنما معنى الحديث عندي، والذي لا أعتقد سواه أن القرآن لو كتب
في إهاب وألقي ذلك الإهاب في نار جهنم لم يحترق، ولم تَعْدُ النَار
احتراماً للقرآن، إذ لم يجعل لها سلطان على ما هو وعاء له، وأعلَمَ الله عز
وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأن النار لا تعدو على ما كتب فيه القرآن ليكون ذلك بشرى لحملة القرآن، وبسطاً لرجائهم كما قال عز وجل: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) أعلمنا الله عز وجل بذلك، وهو الحق، ليكون موعظة لبني آدم، وأن قلوبهم لا تتصدع، ولا تخشع، لما تخشع، وتتصدع له الجبال.
ولما ذكرناه من بسط الأمل قال أبو أمامة: احفظوا القرآن،