أدلة زكاة الذهب والفضة

ولنشخصها فنقول: تجب في الذهب والفضة أياً كانت متى ملك الإنسان نصاباً من الذهب فعليه الزكاة، ومتى ملك نصاباً من الفضة فعليه الزكاة سواء كانت نقوداً أو تبراً أي: قطع من الذهب أو من الفضة أو حلياً أو غير ذلك، ما فيه تفصيل {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة:34] عام، (ما من صاحب ذهب ولا فضة) عام.

لا فرق، ما يفرق بين شيئين، ومن فرق بين شيئين من الذهب والفضة فعليه الدليل، وعلى هذا فالمرأة إذا كان عندها حلي من الذهب يلزم أن تزكيه إذا بلغ نصاباً وجوباً، لأننا لو سألناها وقلنا لها: يا أمة الله! هل أنت صاحبة ذهب فستقول: لا، جوابها صحيح أم غير صحيح؟ إذا قالت: لا.

فالجواب غير صحيح، أنت صاحبة ذهب وفضة، ولهذا الناس يتحدثون ويقولون فلانة عندها ذهب كثير، عندها ذهب كثير، إذا كنت صاحبة ذهب أو فضة أدي زكاته، إذا كنت صاحبة ذهب أدي زكاته.

فإن قال قائل: أليس الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقه) .

صلى الله عليه وسلم بلى قال ذلك، يقول: إذاً: ليس على المسلمة في حليها صدقة؛ لأنها أعدته للاستعمال كما أعده صاحب الفرس للاستعمال إذاً لا زكاة، فماذا نقول؟ نقول: هذا قياس فاسد الاعتبار، لأنه قياس مع النص، فإن قالوا: أين النص على الحلي؟ قلنا: العمومات تشمل جميع أفرادها، ومن أخرج شيئاً من أفراد العموم فعليه الدليل، والدليل على أن العمومات تشمل جميع أفرادها قول الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إنكم إذا قلتم السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) أين العموم؟ في قولنا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين؟ قوله: (عباد الله) لأنه جمع مضاف فهو على العموم، يقول: (سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض) لأنه علمهم ذلك حين كانوا يقولون: السلام على الله من عباده، السلام على جبرائيل وعلى ميكائيل.

وما أشبه ذلك، فلا حاجة أنكم تخصصون، الله هو السلام فلا تقولوا: السلام على الله، غير الله ناقص فقولوا السلام عليه، لا تقولوا على فلان وفلان، قولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إلا النبي عليه الصلاة والسلام، فالنبي خصص، ويبدأ به قبل أنفسنا، ماذا نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) وانظر ترتيب التشهد مرتب على الأحقية، الأعظم حقاً من الله بدئ به، (التحيات لله والصلوات والطيبات) ثم الرسول: (السلام عليك أيها النبي) ثم نفسك: (السلام علينا) ثم العباد الصالحين: (وعلى عباد الله الصالحين) .

فإذا قال قائل: أين ذكر الحلي؟ قلنا: لا يحتاج إلى ذكر فإن العموم يتناول جميع أفراده؟ ثم نقول: لدينا ثلاثة نصوص خاصة بالحلي أشار إليها الحافظ ابن حجر، بل ذكرها الحافظ ابن حجر في كتابه بلوغ المرام.

أولها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: (جاءت امرأة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وفي يد ابنتها سواران غليظان من الذهب، فقال لها: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا.

قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ -والجواب: لا يسرها، وحذف الجواب لأنه معلوم- فخلعتهما وألقتهما إلى الرسول وقالت: هما لله ورسوله) الله أكبر! ما طابت نفسها ببذل الزكاة فقط، بل بالحلي كله، (قالت: هما لله ورسوله) .

ونظير هذا من بعض الوجوه أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً في يده خاتم ذهب، فقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده، ثم نزعه الرسول بيده صلوات الله وسلامه عليه ورمى به، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قيل للرجل: خذ خاتمك انتفع به، قال: والله لا آخذ خاتماً طرحه النبي صلى الله عليه وسلم) هكذا هؤلاء الرجال، هؤلاء النساء، هذه ألقت السوارين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله، والرجل أبا أن يأخذ الخاتم لأن الرسول طرحه.

ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطبة العيد نزل إلى النساء ووعظهن وقال: (يا معشر النساء! تصدقن ولو من حليكن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) ماذا صنعن؟ جعلت المرأة تأخذ خرصها وخاتمها وسوارها ثم تلقيه في ثوب بلال، بدون توقف، وربما تكون الواحدة منهن ليس عندها إلا هذا الخرص، أو هذا الخاتم لكن الإيمان يحمل الإنسان على شيء لا يحمله عليه ضعيف الإيمان.

إذاً: القول الراجح من أقوال أهل العلم أن حلي الذهب وكذلك الفضة تجب فيه الزكاة، وهذا مذهب أكثر الأمة الإسلامية بعد المذاهب المتبوعة، لأنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأصحابه، وهو رواية عن إمامنا الإمام أحمد رحمه الله أن حلي الذهب تجب فيها الزكاة، فإن قال قائل: نحن مرت بنا أزمان كثيرة لا نزكي وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، نقول: إذا لم تسمعوا أنتم به في آبائكم الأولين فقد سمع به أصحاب أبي حنيفة، ثم إن هذا لا يضر أن القول ينتشر بين الناس وهو ضعيف؛ لأن القول بعدم الوجوب هو المشهور من مذهب الإمام أحمد والناس ساروا عليه فيما سبق ثم تبين لبعضهم أن الراجح وجوب زكاة الحلي، وهذا اختيار شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز وفقه الله، وقال عن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إن إسناده صحيح، أما الحافظ ابن حجر فقال: إن إسناده قوي، وله شواهد، والحجة تثبت بأدنى من ذلك، وعلى هذا فتكون الأدلة العامة الصحيحة مؤيدة لهذا الحديث الخاص فيقوى بها.

فإن قال قائل لزوجته وهي تريد أن تزكي عن حليها: لا تزكي، والراجح أنه لا زكاة، وكونه عامي (لا يعرف كوعه من كرسوعه) قال: لا، الراجح -بحسب ظنه- أنه ليس فيه زكاة.

قالت: لا، أنا أرى أن فيه زكاة، إما لأنها قرأت أو لأنها وثقت بمن قال: فيه زكاة، قالت: فيه زكاة سأؤدي زكاته.

قال: لا تؤدين الزكاة، هل تطيعه؟ لا تطيعه، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

فإذا كان ليس عندها مال وهو قال: أنا ما أخرج عنك الزكاة، ماذا تصنع؟ تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة، تسلم منها في الدنيا قبل الآخرة، فإن غضب زوجها وقال: أنت البارحة عليك سوارين والآن ما عليك إلا سوار واحد لأنها باعت أحد السوارين للزكاة، ماذا نقول؟ نقول: ليغضب، إذا غضب من طاعة الله فلا أرضاه الله.

إذا قالت هي: إذا ألزمتموني أن أبيع من حليي كل سنة لأداء الزكاة بقيت ليس عندي حلي، نقول: لا.

ليس صحيحاً؛ لأن الحلي إذا نقص عن النصاب لا زكاة فيه، فيبقى عندك من الحلي أربعة وثمانون غراماً، وهذه نعمة مع أن هذا أمر بعيد، ولا سيما هنا في المملكة والحمد لله المال متوفر.

على كل حال الذهب والفضة فيهما زكاة بكل حال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015