حكم إخراج النقود بدلاً عن الإطعام على من لا يستطيع الصوم

Q رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم، فهل يجزئ إخراج النقود بدلاً عن الإطعام، وهل يجزئ عن ذلك أن يدفعها فيما يسمى تفطير مجاهد؟

صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة وهي: أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً، وقد قال الله تعالى في الصوم: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184] وقال في كفارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89] .

وفي الفطرة فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزئ عنه الدراهم، وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام لا يجزئ أن يخرج بدلاً عنه دراهم، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه، لأنه عدول عما جاء به النص كذلك الفطرة، قال بعض الناس: لو أخرج صاعاً من الذهب لم يجزئ عن صاعٍ من الحنطة؛ لأن الذهب غير منصوص عليه والحنطة منصوص عليها، أي: مذكورة من القرآن، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالذي حمل بعض الناس أن يقولوا هذا القول، قال: أنا معي أصل، هل نص الرسول على الدينار والدرهم؟ لا، (من طعام) وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره: أطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولك في الإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن توزع عليهم في بيوتهم، كل واحد تعطيه خمس الصاع من الرز وتجعل معهم ما يؤدمه وأي شيء، فاصنع طعاماً وادع إليه عدد المساكين الذي يجب أن تطعمهم، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع طعام عشاء، وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون، وكذلك في العشر الثانية، والعشر الثالثة، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر وصار لا يستطيع الصوم، يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يومٍ من رمضان.

وأما صرفه لما يسمى بتفطير مجاهد، فالمجاهد ليس عندنا حتى نفطره وإذا دفعنا ما يفطره اليوم متى يصل إليه، ربما يصل بعد يومين ثلاث وربما لا يصل إلا بعد العيد والله أعلم، حسب بعد المواصلات، وحسب تسهيل الوصول، لكن شيئاً طلب منك اجعله في بلدك، حتى تكون مطمئناً على وصوله في وقته، ومثل ذلك أيضاً الفطرة لا تخرجها إلا في بلدك مهما كان الأمر، حتى أن العلماء قالوا: يحرم على الإنسان أن يخرج فطرته في غير بلده، فإن كان ليس في بلده فقراء أخرجها في أقرب البلاد إليه من البلاد التي فيها الفقراء، والفطرة والأضاحي مطلوبة من الشخص تتعلق ببدنه، ولهذا قال العلماء: لو كان الإنسان في بلد وماله في بلد أخرج فطرته في البلد الذي هو فيه، وأخرج زكاة المال في البلد الذي فيه المال.

وكوننا نجعل حتى الفطرة والأضحية تذهب إلى المكان الفلاني والمكان الفلاني، والناس الفلانيين والناس الفلانيين هذا خطأ، لأن هذه عبادات مقصودة منا، الأضحية إذا دفعناها إلى مكان ما بقيت بيوتنا ليست فيها أضحية فلا نقيم فيها شعائر الإسلام والأضحية من الشعائر، ولهذا قال العلماء: لو تصدق بقيمة الأضحية ألف مرة ما أجزأت عن الأضحية، لأن الله يقول: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وأنا أرى أن مساعدة المجاهدين في أفغانستان أو في غيرها من بلاد المسلمين ينبغي أن يحث الناس على التبرع، حتى يجعلوا من أموالهم نصيباً للجهاد في سبيل الله، أما أن تجعل الزكوات الواجبة التي هي خارجة على كل حال ومفروضة، تجعل في الجهاد، ولا تبذل أموال خاصة للجهاد، معنى ذلك أننا دفعنا ضريبة الجهاد مما أوجب الله علينا من الزكاة، فكأننا لم نشارك في الجهاد، يعني: الزكاة مطلوبة منا، وفتح هذا الباب للناس أن يجعلوا زكاة أموالهم وزكاة أبدانهم تصرف في الجهاد في أفغانستان أو غيرها، أنا عندي أنه يجب أن يتأمل الإنسان فيه، حتى لا نفتح للناس وقاية أموالهم بزكوات أموالهم، نقول: اجعل من مالك للجهاد حتى تكون مجاهداً أما أن تجعل زكاتك في الجهاد كيف هذا؟ صحيح أن المجاهدين لهم حق في الزكاة، لكن غير المجاهدين سبعة أصناف لهم حق في الزكاة أيضاً، فاجعل التبرع للجهاد من مالك، واجعل من زكاتك للجهاد، واجعل لبقية الأصناف نصيبهم.

على كل حال الذي أريد أن أقوله في مسألة الزكاة: زكاة الفطر لا يجوز أن تخرج في غير بلد الإنسان، الأضحية لا يجوز أن تصرف إلا في بلد الإنسان، الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، جعلها الله للمقيمين في أوطانهم، كما جعل للحجاج هدايا في مكة والله حكيم، أما أن نصرف دراهم للمكان الفلاني والمكان الفلاني، وتبقى بيوتنا معطلة من الأضاحي، أو من العقيقة -مثلاً- بالنسبة للأولاد فلا.

افتح للمسلمين التبرع للجهاد بأموالهم؛ لأن الجهاد بالمال عديل الجهاد بالنفس، دائماً يقرن في القرآن بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، ويقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.

أما أن نجعل زكواتنا والأشياء التي أوجب الله علينا نجعلها في الجهاد، ونبقي دراهمنا محفوظة ما نشارك في الجهاد، هذا فيه شيء من النظر، ولست أقول لا يتبرع! ينبغي أن نتبرع للمجاهدين في كل مكان؛ لأنهم إخوتنا وعلينا نصرتهم، لكن كوننا نجعل واجباتنا التي أوجب الله علينا في أموالنا، أو أوجبها الله شعيرة من شعائر الإسلام، تكون في بيوتنا، نصرفها يميناً وشمالاً هذا فيه نظر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015