تجب الزكاة فيهما بدون تفصيل، للحديث الذي ذكرناه حديث أبي هريرة: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها.
الحديث) أي فرد يخرج من هذا العموم فإننا نطالب المخرج بالدليل، فلو قال قائل: حلي المرأة من الذهب والفضة هل فيه الزكاة؟
صلى الله عليه وسلم نعم.
من أين نستدل؟ من عموم هذا الحديث، حديث أبي هريرة وهو في صحيح مسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة) والمرأة التي عندها حلي هي صاحبة ذهب، ولهذا يقول الناس في عرفهم وعاداتهم: فلانة عندها ذهب، أو لها ذهب كثير، إذاً أي واحد من الناس من أبي بكر إلى أدنى عالم في عصرنا هذا إذا قال: إن الحلي من الذهب والفضة خارج عن هذا العموم فإننا نقول له: هات الدليل؟ على أن هذا العموم أيضا مؤيد بأدلة خاصة وهي ما رواه أبو داود وغيره من أصحاب السنن من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه: (أن امرأة أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب -والمسكتان: هما السواران- فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: هل يسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، فخلعتهما وألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ورسوله) وهذا نص في الموضوع مؤيد بالعموم.
ومن عجبٍ أن بعض الناس طعن في سند هذا الحديث، وقد قال عنه ابن حجر في بلوغ المرام: إن إسناده قوي، وقال عنه الشيخ العلامة، شيخ عصره في هذه المملكة عبد العزيز بن عبد الله بن باز: إن سنده صحيح.
ثم حاول آخر أن يطعن في متنه، وقال: كيف يقول الرسول للمرأة: (أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار) وهي لا تدري، وهل هذه علة؟ لا، ليست علة لسببين: السبب الأول: أنها قالت: لا، يعني: لا أؤديه، ويحتمل أنها عالمة ويحتمل أنها جاهلة، فإذا قلنا: إن الأصل الجهل فيرجح على احتمال أنها عالمة، قلنا الحديث يقول: (أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار إن لم تخرجي) يعني بعد قيام الحجة، وهذا واضح، فالوعيد عليها إذا علمت ولم تخرج، وحينئذٍ تنتفي العلة في متنه.
السبب الثاني: أما قياسهم لحلي الذهب والفضة على اللباس والفرس والرقيق، ومن المعلوم أن اللباس ليس فيه زكاة بالإجماع، والفرس والرقيق ليس فيه زكاة بالنص، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة) وكلمة عبد وفرس ليست ذهباً ولا فضة.
ونحن نقول: ما سوى الذهب والفضة من غير ما تجب الزكاة بعينه لا تجب فيه الزكاة إذا اختصه الإنسان لنفسه، ولهذا نقول: أواني البيت ليس فيها زكاة، فرش البيت ليس فيها زكاة، مكاين الفلاحة ليس فيها زكاة، لكن الذهب والفضة تجب الزكاة فيها بعينها، كما تجب في المواشي بعينها إذا تمت الشروط، ولا يصح أن يقاس على الثياب وشبهها؛ لأنه قياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص مُطَّرح؛ لأنه يعبر عنه عند الأصوليين: فاسد الاعتبار، لا عبرة به، ويدل على تناقض هذا القياس أننا نقول لهم: أولاً: الثوب الأصل فيه عدم الوجوب، والذهب الأصل فيه الوجوب.
ثانياً: الثوب إذا أعده الإنسان للأجرة فليس فيه زكاة، والذهب عندكم إذا عد للأجرة ففيه الزكاة، أين القياس؟! ثالثاً: الثياب إذا أعدها الإنسان للقنية، اشتراها يلبسها ثم بدا له أن يجعلها للتجارة فإنها لا تكون للتجارة، وأنتم تقولون: إن الحلي إذا اشتراه للقنية ثم نواه للتجارة صار للتجارة، وهذا أيضاً تناقض.
على كل حال: الحمد لله أن الأقيسة المخالفة للنص دائماً تكون متناقضة، مع أنها من الأصل فاسدة الاعتبار.
ثم نقول: هب أن الأدلة متكافئة، فما هو الأصل في الذهب والفضة؟ الوجوب.
هذا واحد.
هب أنها متكافئة فما هو الأحوط أن أخرج الزكاة أم لا؟ أن أخرج الزكاة.
وبهذا تبين أن الزكاة واجبة في الحلي المعد للاستعمال، سواء استعمل أم لم يستعمل بشرط أن يبلغ النصاب، والنصاب عشرون مثقالاً من الذهب، وهو حسب ما قال لنا أهل الذهب: خمسة وثمانون جراماً.
وأما الفضة فهي مثل الذهب إذا كانت حلياً وجبت فيها الزكاة كما لو لم تكن حلياً، ونصابها مائة وأربعون مثقالاً، ويبلغ بالجرامات خمسمائة وخمسة وتسعين.
إذاً: الذهب والفضة تجب فيهما الزكاة على كل حال.