Q يتفاوت المؤذنون في أذان الفجر، فإذا أذن من نراه أوثق فهل نمسك على أول أذانه، أم لنا أن نأكل حتى ينتهي؟ وهل يجوز للمؤذن أن يحتاط فيؤذن في أول الوقت على ظنه وهو لا يرى طلوع الفجر، إنما يتبع في ذلك التقويم، كل ذلك خوفاً على صيام الناس مع احتمال تصويم الناس قبل الوقت؟
صلى الله عليه وسلم الواقع أن مسألة أذان الفجر في وقتنا الحاضر، مشكلة كيف إشكالها؟ الناس لا يمكن أن يروا الفجر بسبب الإضاءة، لا يمكن أن يروه إلا من كان بعيداً، فهم يعتمدون في الحقيقة على الحساب بلا شك، وهنا صرنا نعمل بالحساب بحسب التوقيت اليومي، ولا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري، وهذا حق، أي مسألة أننا لا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري هذا حق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وكذلك الإمساك اليومي أو الإفطار اليومي، معلق أيضاً بالرؤية، قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة:187] وبماذا يتبين الخط الأبيض؟ في اللمس لا، بالشم لا، بالذوق لا، بالرؤية لكن الآن نحن نمشي على الحساب، حتى يتبين لنا بالحساب وإلا ما نشاهده.
على كل حال، ما دمنا نمشي على الحساب، فالحساب أدق من الرؤية، لأن الحساب يبني على تقدير درجات معينة، ولهذا تجد فيه اختلافاً، حتى الحساب الآن فيه اختلاف فهو يمشي على درجات معينة لا على رؤية، ولهذا يقال لنا -ونحن ما جربنا- إن الإنسان الذي يبعد عن الأضواء يجد الفرق العظيم بين تبين الصبح وبين أذان الناس، يعني أن أذان الناس يسبق تبين الصبح؛ لأن هذا مقدر ببعد الشمس عن الأفق بدرجات قد يرى الصبح وقد لا يرى، لهذا نقول: إنه لا يجوز للمؤذن أن يحتاط فيقدم، هذا لا يجوز حرام عليه لأنه إذا فعل ذلك وقع في محاذير، ولنعدها: المحذور الأول: حرمان المسلمين مما أباح الله لهم؛ لأنه إذا أذن وأمسك الناس قبل أن يطلع الفجر، معناه أنه حرم الناس من الأكل والشرب إلى الفجر، وهذا شيء عظيم، ربما يكون الإنسان في هذه اللحظة قام من نومه، يريد أن يشرب ماءً، ولكن سمع الأذان فوقف هذه مشكلة.
المحذور الثاني: أنه قد يصلي الإنسان الفجر على الأذان، أي: شخص يكون متوضئاً وينتظر متى يؤذن حتى يقوم ويصلي كالمرأة في البيت، والمريض في البيت، فيكون هذا صلَّى قبل دخول الوقت وهذا خطر عظيم، كيف يحتاط الإنسان بمنع المسلمين مما أباح الله لهم، وبكون المسلمين يصلون قبل الوقت، أين الاحتياط؟ هذا حقيقة إشغال للذمة، يعني: المؤذن يتعلق الناس بذمته.
المحذور الثالث: أننا إذا قلنا بأن الأذان للفجر لا يجوز إلا بعد دخول الوقت كسائر الأذانات، يعني: أذان الظهر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العصر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان المغرب لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العشاء لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، انتبه! أذان الفجر فيه خلاف بين العلماء، منهم من قال: لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، ومنهم من قال يصح ولو قبل أن يدخل الوقت ولكن في زمن قريب من الوقت، لكن إذا قلنا بأنه لا يصح إلا بعد دخول الوقت، وأذن المؤذن قبل الوقت، يكون أذانه صحيحاً أم غير صحيح؟ غير صحيح.
فالإنسان ينبغي له أن يتقي الله عز وجل، وأن يحتاط في أذان الفجر خاصة، وفي غيره من الأذانات، لكن المشكل الآن أن بعض الناس يجتهد وهو مخطئ، فيقول: أتقدم أربع دقائق من أجل الناس أن يمسكوا، ليس هناك إمساك الإمساك يكون إذا تبين الفجر، أما قول بعض الناس إمساك قبل خمس دقائق ثم الفجر هذا ما أنزل الله به من سلطان، كل واشرب إلى أن ترى الفجر.
فإذا أذن المؤذن وعلم أن المؤذن حريص على ضبط ساعته، وعلى التأني وعدم السرعة، فإن الإنسان ينبغي له -من باب الاحتياط- أن يمسك إذا أذن المؤذن، ولا يأكل وبعض العلماء يرخص له، إذا كان الإناء في يده أن يشرب، وإذا كانت التمرة في يده أو اللقمة في يده أن يأكل، بعض العلماء يرخص في هذا لحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمع أحدكم الأذان والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه، أو قال: حتى يشرب) قال: هذا دليل على أنه إذا أذن والإناء في يده فلا بأس أن تشرب، أما أن تأخذ من الأرض بعد الأذان وهو قد أذن على طلوع الفجر فلا تأخذه.
على كل حال الذي أنصح به إخواننا أن يكونوا قد هيئوا أنفسهم وألا يعرضوا صيامهم للخطر.