ونحن نعلم أن الإنسان إذا ربى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المحرمات فسوف تتربى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس تتمرن فيه على ترك المحبوب بمحبة الله عز وجل، أي: لأن الله يحب ذلك، فإذا مرن نفسه في هذا الشهر كاملاً على ترك المألوف والمحبوب لنفسه تبعاً لرضى الله عز وجل ومحبته فإن النفس سوف تتربى وسوف تتغير وسوف يكون رمضان بمنزلة النار لصهر الحديد والذهب والفضة حتى يخرج خالصاً نقياً من الشوائب، فلننظر حال كثير من الناس اليوم: نجد كثيراً من الناس يجعل رمضان مرتعاً للشهوات، ففي الليل يسرف في الأكل عند الإفطار، عند العشاء، عند السحور، في جوف الليل، ليس له هم إلا أن ينظر ما تشتهيه نفسه من الأطعمة ويشتريه، وليته يشتريه بقدر حاجته، بل يشتري كثيراً ويفسد باقيه، وربما لا يجد من يأكله، فيقع في الإسراف البدني والإسراف المالي؛ أما الإسراف البدني فهو ملء البطن، وملء البطن قال فيه حكيم القلوب والأبدان محمد صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه) الوعاء: الآنية (فإن كان لا محالة -يعني: هو أراد أن يملأ بطنه- فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولكن نجد كثيراً من الناس مع الأسف في ليالي رمضان يسرفون إسرافاً عظيماً.
كذلك هذا إسراف في المال؛ لأن الإنسان ينفق مالاً كثيراً في هذه الليالي في غير حاجة، ولو علم الإنسان قدر المال واهتمام الله عز وجل به ما أسرف في بذله قال الله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] فالمال لا ينبغي أن يكون إلا بيد إنسان رشيد، يعرف كيف يتصرف تملكاً وتصرفاً، أما السفيه فلا يعطى المال، السفيه هو الذي يبذله في غير فائدة كما قال أهل العلم: إن السفيه هو الذي يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، وأنه يجب الحجر عليه، ومنعه من التصرف.
فالمال له شأن عظيم ولهذا قال: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] ومعنى قوله: {جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] أي: صيرها قياماً تقوم به مصالح دينكم ودنياكم.