أعمال الإنسان الموفق وأعمال الإنسان الغافل

أما بقية الخمس دقائق فإننا نتكلم فيها على موعظة ينبغي للإنسان أن ينتبه؛ لأن مواسم الخيرات أوقات ربح للإنسان الموفق، فالموفق ينتهزها بالعمل الصالح المقرب إلى الله عزَّ وجلَّ، ولاسيما في رمضان، فيجتهد في أداء الصلاة فريضةً، وبالتطوع، وبالزكاة إذا كان الحول قد تَمَّ، وبالصدقة، وببر الوالدين، والإحسان إلى الخلق، وصلة الرحم والجيران والأيتام وغير ذلك، ويتمرن في هذا الشهر على العبادة، وعلى مكارم الأخلاق والإقبال على الله، وما هي إلا أيام وليالٍ معدودة، ثم تنتهي وتزول، نحن الآن في الليلة السابعة عشر، ولو سألنا سائل: كم نقدر المدة التي مضت؟ نقول: كأنها أمس، كأنها لحظات.

إذاً: فاعتبر المستقبل في الماضي، فكما أن الماضي مضى سريعاً، فالمستقبل سوف يمضي سريعاً، فأنت انتهز الفرصة، ولا تضيع الوقت، والإنسان الموفق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم موفقين- هو الذي يتخذ من عاداته عبادات، والغافل هو الذي يجعل عباداته عادات، الغافل يجيء مثلاً: يقوم يتوضأ ويصلي على العادة، ويتناول الطعام والشراب واللباس أيضاً على العادة.

أما الإنسان الموفق فهو الذي يجعل العبادات عبادات، يشعر بأنه يتقرب إلى الله، وكذلك يحتسب الأجر، وأنها ستكون ذخراً له؛ يعني: سلفاً مقدماً: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة:245] الأعمال الصالحة هي في الحقيقة سلف، دراهم تقدمها لتأخذها مضاعفة: (الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة) الإنسان العاقل يشعر بأن الأمور العادية يمكن أن تكون عبادات، الأكل والشرب نحن نتناوله على أنه شهية لنفوسنا من طبيعتنا، لكن الموفق يمكن أن يجعل هذا الأكل والشرب عبادة، مثلاً: في السحور، كلنا نجلس على مائدة السحور، نعم، هل نشعر ونحن نأكل السحور بأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (تسحروا فإن في السحور بركة) ؟! إلا من شاء الله وهم قليل.

إذاًَ: إذا جلست على السحور تذكر: أولاً: أمر النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: (تسحروا) .

ثانياً: سنته، أنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان يتسحَّر، فكأنه أمامك يتسحر وأنت تقتدي به.

ثالثاً: رجاء بركة هذا السحور؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (فإن في السحور بركة) .

هذه الأمور الثلاثة، ما ندري هل نحن نشعر بها عند التناول للسحور أو لا؟! أو نأكل السحور بنية دنيَّة؛ من أجل أن نستعين به على الصوم، أكثر الناس هكذا يبيتون في السحور، لأجل يتقوَّون على الصوم، ولهذا إذا كان في أيام الصيف الشديد الحرارة، الطويل النهار، ملأ بطنه من الماء حتى يكون كالقربة، من أجل ألا يعطش.

لكن الإنسان الموفق يلاحظ الأمور الثلاثة التي ذكرناها، وهذا يأتي بالتبعية.

في الإفطار نتناول الإفطار؛ لأن الطبيعة تقتضي ذلك وتطلبه، فنأكله تمتعاً وتلذذاً؛ لكن هل نحن نشعر بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على رُطَب، فإن لم يجد فعلى تمر، فإن يجد فعلى ماء) هل نشعر بهذا؟! وأننا نفطر امتثالاً لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام؟! أو نشعر بأننا نفطر ونبادر بالفطور رجاء الخير؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) ؟ احرص أن تكون مائدة الإفطار عندك وقت الأذان، من أجل أن تبادر، فلا يؤذن وأنت بعيد عن الأكل، إن أذن وأنت بعيد عن الأكل ربما يفوتك الخير، بادر بالأكل: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) .

وفي الأثر أن الله تعالى يقول: (أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطراً) .

إذاً: انظر! العبادات عند الغافل عادات، والعادات عند العاقل عبادات.

كلنا يلبس الثياب عند الصلاة، وعند الخروج إلى السوق، هل نحن نشعر بلباسنا عند الصلاة أننا ممتثلون قول الله عزَّ وجلَّ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] عندنا مثلاً ومن عاداتنا أننا نغطي الرأس بالزينة، يعني: الواحد منا يلبس غترة وشماغاً، فهل إذا أراد أن يصلي يحرص على لباس الغترة والشماغ وجميع اللباس وإلاَّ لا؟! نعم؛ لأن الله يقول: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف:31] ؛ لكن لو كنا في بلد اعتادوا ألا يلبسوا اللباس فوق الرأس، صار كشف الرأس عندهم لا نقص فيه، ولا ينقص الصلاة شيئاً؛ لماذا؟ لأن الزينة لا تتناوله.

فالزينة في كل موضع بحسبه، إي نعم.

مداخلة: هل لبس (المشلح) زينة يا شيخ؟ الشيخ: لا، لبس (المشالح) الآن بدأت تَخِفُّ، كان الناس من قبل يلبسون (المشالح) كثيراً، حتى صغار السن، الواحد له (13) سنة، (14) سنة يشتري له أبوه (مشلحاً) ، ويرى أن هذا فخراً، الآن صار الأمر بالعكس، تأتي المسجد وما تجد فيه إلاَّ إن وجدتَ واحداً، أو اثنين، وحتى أيضاً الموجودون يلفتون النظر.

على كل حال، كل شيء بحسبه.

فالخلاصة: أنه ينبغي أننا نختم هذا الشهر بكثرة الأعمال الصالحة والرجوع إلى الله، واسألوا الله تعالى الثبات، والقبول، واغتنام الفرصة.

والله الموفق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015