Q ماذا يقول فضيلتكم برجل أراد الإفطار عند أخيه المسلم، لا لشيء إلا لأجل أن يتيح لأخيه الآخر فضل تفطير الصائم؟
صلى الله عليه وسلم هذا جيد ولاشك، لكن خير منه أن يقول لأخيه: ائتِ إليَّ وافطر معي، لكي ينال هو أجر تفطير الصائم ويسلم من أن يكون للآخر عليه منة، وربما يضيق على الآخر، فلو قال: الليل سأفطر عندك، نعم.
ربما يكون ذاك في ضيق وما استعد له، أو لا يحب أن يفطر معه أحد، يحب أن يفطر هو وأهله، وإذا كان يحب هذا فأولى ما يبر نفسه، يقول: يا فلان! تفضل عندي.
قد يقول هذا الأخ: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وإذا كان أحب أن يفطر عندي الصائمون فأنا أحب لأخي أن يفطر عنده الصائمون، نقول: ألست أنت تحب أن يفطر عندك الصائمون؟ يقول: نعم أحب ذلك، نقول: هل تقدم بخيرك غيرك؟ لا، في مسائل العبادات أمرنا الله عز وجل بالاستباق إليها، قال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة:148] {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران:133] لا تؤثر غيرك في القربات أبداً، ولهذا قال العلماء: يكره للإنسان أن يؤثر غيره بالطاعة فلا يؤثر غيره بالصف الأول ويتأخر هو مثلاً، كل طاعة لا تؤثر غيرك فيها، قالوا: لأن هذا دليل على قلة رغبته في الطاعة، لا سيما في مثل مسألتنا، تذهب تسأله أنك تأتي تأكل عنده فطوراً وعشاء، نعم.
مع أن الصحيح في مسألة الإيثار أن نقول: الإيثار بالواجب حرام، والإيثار بالمستحب خلاف الأولى إلا لمصلحة، والإيثار بالمباح حلال، فالإيثارات أقسامها ثلاثة: إيثار بالواجب وهذا حرام، إيثار بالمستحب وهذا خلاف الأولى إلا لمصلحة، إيثار بالمباح وهذا يحمد عليه الإنسان: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] يؤثرون بالأكل يعطون غيرهم يأكلو ولو كانوا جائعين، هذا الشيء من المباح.
الإيثار بالواجب مثاله: رجل ليس معه إلا ماء قليل إن توضأ به كفاه، وإن آثر به غيره نقص عنه وبقي هو يريد يتيمم، نقول: هذا لا يجوز أن تؤثر غيرك، أنت توضأ به وجوباً، إنسان ليس عليه إلا ثوب، وأخوه عريان ولا يمكن أنه يعطيه، إلا وهو متعرٍ، نقول: لا تتعرَ، مع أن مسألة الثوب قد لا تصح مثالاً؛ لأننا نقول: صل به أولاً ثم أعطه صاحبك، لكن مسألة الماء منطبقة تماماً، مثال صحيح.
والإيثار بالمستحب مثل الصف الأول، رأيت إنساناً وأنت في الصف الأول قمت من مكانك وقلت: تفضل يا فلان! هذا خلاف الأولى والفقهاء نصوا بأنه مكروه، لكن الصحيح أنه خلاف الأولى، وأنه إذا وجدت مصلحة فلا بأس، مثل لو أنك تأخرت لهذا الرجل من باب التأليف، لأن بعض الناس إذا رأى أن الناس يؤثرونه ازداد رغبة في الخير والصلاة مع الجماعة، فأنت مثلاً تفعل هذا لأجل أن تؤلفه حتى يرغب هذا طيب، أو إنسان جاء أبوه وتأخر له، هذا أيضاً طيب، لأن أباك في هذه الحالة سوف يراها لك ويحسبها من برك.
أما المباح فهو معروف مثل أن تعطي غيرك الطعام وأنت تشتهيه، لكن تؤثره هذا طيب.