الحجامة

السابع: الحجامة.

خروج الدم بالحجامة، وعلى القاعدة نطلب الدليل.

الدليل: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) وهذا يدل على أن المحجوم يفطر.

وفيه أيضاً تعليل، وهو أن الحجامة إذا خرج منها دم كثير ضعُف البدن واحتاج إلى تغذية، ولهذا نجد الأطباء إذا أُخذ من الإنسان دم متبرع به، يأمرونه أن يشرب عصيراً أو شبهه ليعوِّض ما نقص من الدم.

إذاً: الحجامة نقول: تفطِّر الصائم.

والدليل: قوله عليه الصلاة والسلام: (أفطر الحاجم والمحجوم) .

والتعليل: أنه يحصل بالحجامة ضعف شديد للبدن، يحتاج معه إلى تغذية.

فالتفطير بالحجامة من رحمة الله، ولهذا نقول للصائم صوم فرض: يحرم عليك أن تحتجم، فإن اضطررت إلى ذلك فاحتجم وكُل واشرب، عوِّض البدن عن هذا النقص.

حسناً! فإن قال قائل: إنه قد جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم، واحتجم وهو صائم) وفي بعض الألفاظ: (احتجم وهو محرم صائم) فالجواب على ذلك: أنه إن صحَّت اللفظة: احتجم وهو صائم إن صحت فإنها لا تدل على أن الحجامة غير مفطِّرة، ولا تدل على أن هذا الصيام فرض، فإذا كان الصيام الذي احتجم فيه الرسول عليه الصلاة والسلام ليس فرضاً؛ فلا إشكال إطلاقاً؛ لأنه إذا احتجم أفطر وأكل وشرب؛ لأنه متنفِّل، والصائم المتنفل هو أمير نفسه، إن شاء استمر، وإن شاء أفطر.

فيحتمل أنه نفل، ويحتمل أن الرسول عليه الصلاة والسلام احتجم في صيام فرض؛ لكنه أفطر؛ وابن عباس رضي الله عنهما لم يعلم ماذا كان للرسول بعد أن احتجم وهو صائم.

فلا نأخذ بهذا النص المشتبه وندع نصاً محكماً؛ لأن النص المحكم مقدم على النص المتشابه، ويجب أن يُحمل النص المتشابه، سواء في القرآن أو في السنة، على وجه يوافق النص المحكم.

لهذا نقول: ليس في هذا الحديث ما يدل على أن المحتجم لا يفطر.

ثالثاً: من حَمْل حديث ابن عباس: أنه قبل أن يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أفطر الحاجم والمحجوم) ويكون حديث ابن عباس بناءً على البراءة الأصلية؛ لأن الأصل أن الحجامة لا تفطِّر، ثم جاء الحكم الشرعي بأنها مفطِّرة.

فإذا قال قائل: الحجامة مفطِّرة للمحتجم؛ لأن العلة في ذلك واضحة، ما هي العلة؟ الضعف الذي يلحق البدن، والنقص ولكن الحاجم بأي سبب يُفطَّر؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لأن الحجامة في ذلك العهد تحتاج إلى أن يمص الحاجم قارورة الحجامة.

قارورة الحجامة فيها أنبوبة دقيقة يمصها الحاجم، إذا شطَّبَ محل الحجامة بالموسى، ووضع القارورة على محل التشطيب، رصَّها قليلاً، ثم فرَّغ الهواء الذي فيها بمصها، يمكن في أثناء المص يتسرب شيء من الدم في فم الحاجم من غير أن يشعر به، فأقيمت المَظِنَّة مقام المَئِنَّة.

هكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

أما غيره من العلماء الذين قالوا: بأن الحجامة مفطِّرة، قالوا: الله أعلم، ما ندري، ولعلَّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أفطر الحاجم) جعل الحاجم مفطراً؛ لأنه أعان المحتجم على ما يفطر به، فاكتسب من إثمه إذا كان الصوم واجباً؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام: لو حَجَم بغير هذه الطريقة بآلات منفصلة -ما يمصها- فإنه لا يفطر.

يعني: الحاجم؛ لأنه ليس هناك ما يحتمل أن يفسد صومه بدون أن يشعر به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015