من فوائد الصيام -ولاسيما في وقتنا هذا وما قبله-: أن الإنسان المدمن على الشيء المحرم يكون الصوم عوناًَ له على التخلي عنه.
نعم، إذا كان مدمناً على أكل شيء محرم، أو شرب شيء محرم، فإن الصوم يكون عوناً له على التخلي عن هذا الشيء، ولنضرب لهذا مثلاً بمن ابتلوا بشرب الدخان، فإن الصوم يعينهم على التخلي عنه، كيف؟ لأنهم في النهار لن يتناولوه، لن يشربوا، أيش يبقى عندنا؟ يبقى الليل، فيمكن أن يشتغل بالأكل المباح، وبالسمر مع إخوانه الذين لا يشربون الدخان, ويتلهى وإن شق عليه؛ لكن يتلهى ويصبر حتى يمرن نفسه، وهو إذا مرَّن نفسه في خلال شهر كامل عن شرب الدخان فسوف يسهل عليه الإقلاع عنه.
هذا من فوائد الصوم.
والله سبحانه وتعالى عليم حكيم، فقد تكون هناك حكم كثيرة فاتتنا؛ لكن أهم شيء أنه سبب للتقوى، ولذلك يجب على الصائم مراعاة الواجبات فعلاً والمحرمات تركاً ما لا يجب على غيره؛ حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، وإن أحد سابَّه أو شاتمََه فليقل: إني امرؤٌ صائم) إلى هذا الحد؟! حتى لو أن أحداً اعتدى عليك بالسب والشتم لا تقابله، قل: إني صائم.
وقال عليه الصلاة والسلام: (من غشنا فليس منا) .
وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، قالوا: من هم يا رسول الله؟! خابوا وخسروا، قال: المُسْبِل، والمنَّان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) .
المنفق سلعته، يعني: المروج سلعته بالحلف الكاذب، مثل أن يقول: والله ما في السوق أحسن منها، أو يقول: والله لقد أعطيت بها كذا وكذا وهو كاذب، أو يقول: لقد اشتريتها بكذا وكذا وهو كاذب، أو ما أشبه ذلك، ثم يحلف على هذا الشيء، فيكون منفقاً سلعته بالحلف الكاذب، هذا من الذين لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.
أما المسبل: فهو الذي أسبل ثوبه خيلاء، فإذا أسبل ثوبه خيلاء فإن الله تعالى لا يكلمه، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.
أما إذا أسبله لغير الخيلاء فإن عذابه أهون، ويعذَّب لكن أهون، قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي: أنه يعاقب بقدر مخالفته فقط، فإذا نزل عن الكعبين نحو (سنتيمتر) نعم يعذَّب من هذا القدم بمقدار (سنتيمتر) فقط، والباقي ليس فيه عذاب، ولا يلحقه الإثم بأن الله لا يكلمه، ولا ينظر إليه, ولا يزكيه.
ولا تستغرب أن يكون العذاب على بعض البدن؛ لأن هذا موجود حتى في الدنيا، إذا كوي الإنسان مع شيء من جسده صار الألم على نفس المكان؛ لكن الجسم كله يتألم لا شك؛ لكن المباشر هو ما وقع عليه الكي.
ولا تستغرب أيضاً وقوع ذلك شرعاً، هذا المثال الذي ذكرنا حسي؛ لكن شرعاً أيضاً؛ حيث إن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى أقدام بعض الصحابة بعد وضوئهم لم يمسها الماء، فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) فجعل الذي يعذب الأعقاب التي حصل فيها الإخلال بالواجب، وهو غسل القدم.
إذاً: يجب على الصائم وعلى غيره أن يتجنب المحرم، وأن يقوم بالواجب؛ لكن هو في حق الصائم أولى، ولهذا قال بعض السلف: ينبغي للصائم أن يكون عليه وقار الصوم في قوله ودلِّه وفعله -في قوله، وفي دلِّه يعني: هيئته ووقاره وسكونه، وفي فعله- ولا يجعل يوم صومه ويوم فطره سواء، ولكن نحن -نسأل الله أن يعاملنا بعفوه- نجعل يوم صومنا ويوم فطرنا سواء، بل بعض الناس يجعل يوم صومه أردى من يوم فطره، تجده ينام إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى الغروب، وربما يدع صلاة الظهر وصلاة العصر إلى أن يقوم عند غروب الشمس والعياذ بالله، أين الصوم؟! أين الصوم؟! صوم هذا لن ينفع، صوم هذا عذاب عليه فقط، حَرَم نفسه من الأكل والشرب؛ لكنه لم يأت بجوهر الصوم ولبه وحقيقته، صومه شكلي فقط، تبرأ به الذمة؛ لكنه ناقص جداً، مُخَرَّقٌ مُخَرَّق، ويوشك أن تجتاح أوزار هذه الأعمال ثواب صومه عند الموازنة يوم القيامة، تُوازَن الحسنات والسيئات، ربما تكون سيئات أعماله في هذا الصوم أكثر من حسناته بالصوم، فيضيع عليه، ويكون خاسراً لها.
إذاً: علينا أن نراعي هذه المسائل في صومنا، وأن نعرف ما هي الحكمة من الصوم، حتى نقوم بذلك، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم عليها، أنا أشد الناس تقصيراً في هذا؛ ولكن أسأل الله العفو لنا ولكم.
هذه بعض ثمرات الصوم الذي أوجبه الله على عباده في كل ملة في هذا الدين الذي ختم الله به الأديان، وفي جميع الأديان السابقة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] .
ثم بين الله أن هذا الصوم ليس شهوراً ولا سنين، وإنما هو أيام معدودات، كم؟ إما ثلاثون يوماً أو تسعةٌ وعشرون يوماً، أيامٌ معدودة قليلة، فاصْبِر نفسَك، واتقِ الله في هذه الأيام، حتى تربي نفسك وتعتاد على التقوى فيما يُستقبل من عمرك.