الثَّالِث قَوْله لَهُم سَلام بِالرَّفْع وهم سلمُوا عَلَيْهِ بِالنّصب وَالسَّلَام بِالرَّفْع أكمل فَإِنَّهُ يدل على الْجُمْلَة الاسمية الدَّالَّة على الثُّبُوت والتجدد والمنصوب يدل على الفعلية الدَّالَّة على الْحُدُوث والتجدد فإبراهيم حياهم أحسن من تحيتهم فَإِن قَوْلهم سَلاما يدل على سلمنَا سَلاما وَقَوله سَلام أَي سَلام عَلَيْكُم
الرَّابِع أَنه حذف من قَوْله {قوم منكرون} فَإِنَّهُ لما أنكرهم وَلم يعرفهُمْ احتشم من مواجهتهم بِلَفْظ ينفر الضَّيْف لَو قَالَ أَنْتُم قوم منكرون فَحذف الْمُبْتَدَأ هُنَا من ألطف الْكَلَام
الْخَامِس أَنه بنى الْفِعْل للْمَفْعُول وَحذف فَاعله فَقَالَ {منكرون} وَلم يقل إِنِّي أنكركم وَهُوَ أحسن فِي هَذَا الْمقَام وَأبْعد من التنفير والمواجهة بالخشونة
السَّادِس أَنه راغ إِلَى أَهله ليجيئهم بنزلهم والروغان هُوَ الذّهاب فِي اختفاء بِحَيْثُ لَا يكَاد يشْعر بِهِ الضَّيْف وَهَذَا من كرم رب الْمنزل المضيف أَن يذهب فِي اختفاء بِحَيْثُ لَا يشْعر بِهِ الضَّيْف فَيشق عَلَيْهِ ويستحي فَلَا يشْعر بِهِ إِلَّا وَقد جَاءَهُ بِالطَّعَامِ بِخِلَاف من يسمع ضَيفه وَيَقُول لَهُ أَو لمن حضر مَكَانكُمْ حَتَّى آتيكم بِالطَّعَامِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُوجب حَيَاء الضَّيْف واحتشامه
السَّابِع أَنه ذهب إِلَى أَهله فجَاء بالضيافة فَدلَّ على أَن ذَلِك كَانَ معدا عِنْدهم مهيئا للضيفان وَلم يحْتَج أَن يذهب إِلَى غَيرهم من جِيرَانه أَو غَيرهم فيشتريه أَو يستقرضه
الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {فجَاء بعجل سمين} دلّ على خدمته للضيف بِنَفسِهِ وَلم يقل فَأمر لَهُم بل هُوَ الَّذِي ذهب وَجَاء بِهِ بِنَفسِهِ وَلم يَبْعَثهُ مَعَ خادمه وَهَذَا أبلغ فِي إكرام الضَّيْف