سُبْحَانَهُ أَنه جعله إِمَامًا للنَّاس وَأَن الظَّالِم من ذُريَّته لَا ينَال ربتة الْإِمَامَة والظالم هُوَ الْمُشرك وَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن عَهده بِالْإِمَامَةِ لَا ينَال من أشرك بِهِ وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحين} النَّحْل 120 122
فالأمة هُوَ الْقدْوَة الْمعلم للخير وَالْقَانِت الْمُطِيع لله الملازم لطاعته والحنيف الْمقبل على الله المعرض عَمَّا سواهُ وَمن فسره بالمائل فَلم يفسره بِنَفس مَوْضُوع اللَّفْظ وَإِنَّمَا فسره بِلَازِم الْمَعْنى فَإِن الحنف هُوَ الإقبال وَمن أقبل على شَيْء مَال عَن غَيره والحنف فِي الرجلَيْن هُوَ إقبال إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى وَيلْزمهُ ميلها عَن جِهَتهَا
قَالَ تَعَالَى {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا} الرّوم 30 فحنيفاً هُوَ حَال مقررة لمضمون قَوْله {فأقم وَجهك للدّين} وَلِهَذَا فسرت مخلصاً فَتكون الْآيَة قد تَضَمَّنت الصدْق وَالْإِخْلَاص فَإِن إِقَامَة الْوَجْه للدّين هُوَ إِفْرَاد طلبه بِحَيْثُ لَا يبْقى فِي الْقلب إِرَادَة لغيره والحنيف الْمُفْرد لَا يُرِيد غَيره فالصدق أَن لَا يَنْقَسِم طَلَبك والافراد أَن لَا يَنْقَسِم مطلوبك الأول تَوْحِيد الطّلب وَالثَّانِي تَوْحِيد الْمَطْلُوب
وَالْمَقْصُود أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ أَبونَا الثَّالِث وَهُوَ امام الحنفاء ويسميه أهل الْكتاب عَمُود الْعَالم وَجَمِيع أهل الْملَل متفقة على تَعْظِيمه وتوليه ومحبته وَكَانَ خير بنيه سيد ولد آدم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجله ويعظمه ويبجله ويحترمه