الطَّبْع وتوهم المتوهم أَنه لَا تعقل رَحْمَة إِلَّا هَكَذَا نَظِير توهم المتوهم أَنه لَا يعقل علم وَلَا حَيَاة وَلَا إِرَادَة إِلَّا مَعَ خَصَائِص الْمَخْلُوق
وَهَذَا الْغَلَط منشؤه إِنَّمَا هُوَ توهم صفة الْمَخْلُوق الْمقيدَة بِهِ أَولا وتوهم أَن إِثْبَاتهَا لله هُوَ مَعَ هَذَا الْقَيْد وَهَذَانِ وهمان باطلان فَإِن الصّفة الثَّابِتَة لله مُضَافَة إِلَيْهِ لَا يتَوَهَّم فِيهَا شَيْء من خَصَائِص المخلوقين لَا فِي لَفظهَا وَلَا فِي ثُبُوت مَعْنَاهَا وكل من نفى عَن الرب تَعَالَى صفة من صِفَاته لهَذَا الخيال الْبَاطِل لزمَه نفي جَمِيع صِفَات كَمَاله لِأَنَّهُ لَا يعقل مِنْهَا إِلَّا صفة الْمَخْلُوق بل وَيلْزمهُ نفي ذَاته لِأَنَّهُ لَا يعقل من الذوات إِلَّا الذوات المخلوقة
وَمَعْلُوم أَن الرب سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُشبههُ شَيْء مِنْهَا وَهَذَا الْبَاطِل قد الْتَزمهُ غلاة المعطلة وَكلما أوغل النَّافِي فِي نَفْيه كَانَ قَوْله أَشد تناقضا وَأظْهر بطلانا وَلَا يسلم على محك الْعقل الصَّحِيح الَّذِي لَا يكذب إِلَّا مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم كَمَا قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} الصافات 159 فنزه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يصفه بِهِ كل أحد إِلَّا المخلصين من عباده وهم الرُّسُل وَمن تَبِعَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله رب الْعَالمين} الصافات 180 182 فنزه نَفسه عَمَّا يصفه بِهِ الواصفون وَسلم على الْمُرْسلين لِسَلَامَةِ مَا وصفوه بِهِ من كل نقص وعيب وَحمد نَفسه إِذْ هُوَ الْمَوْصُوف بِصِفَات الْكَمَال الَّتِي يسْتَحق لأَجلهَا الْحَمد ومنزه عَن كل نقص يُنَافِي كَمَال حَمده