أحدهما: أن الحروف التي يصدق عليها أنها قديمة وقعت تبعًا لما يتخاطب به الناس ولما هو كسبهم ومقدورهم فلا جرم لم يخبر فيها أحكام القرآن بل اكتسبت من متبوعها حكمه، ولا يقدح ذلك في قدمها، وهذا كما نقول في التفسير وكتب الفقه لما وقع القرآن تبع لما فيها اكتسب حكمها وكما إن الحبر والمداد اكتسب بوقوعه تبعاً لكتاب الله تعالى التعظيم والاحترام مع أنه في نفسه محدث بالإجماع فكذلك فيما نحن فيه اكتسب عكس ذلك للتبعية مع إن حقيقته لم تتغير1 بل التغير يقع لأمور خارجة عارضة فهو بمثابة سكين قطعت بها مسكاً وعنبراً فطاب ريحها ثم قطعت بها بصلاً فاكتسبت ضد تلك الرائحة مع إن جوهر السكين غير مختلف.
الثاني: الحروف كونها منطوق بها يخالف كونها غير منطوق بها.
وحينئذ لا تنافي بين قدم به الموافقة وحدوث ما به المخالفة ضرورة كونهما غيرين، وقد أشرنا إلى هذا في صدر هذا الفصل على أنا نقول: قضية الدليل إن يجري في الجميع أحكام القرآن ولكن لما تعذر ذلك على الناس، إذ ليس في القوى البشرية الاحتراز عند التخاطب والتكالم عن الحروف، ولا يمكن إطباق جميع الخلق على السكوت أو استعمال الإشارات العقلية، فلا جرم سقط حكمة على هذه الضرورة.
دقيقة: اعلم إن جريان اليد بالقلم والمداد ونحو الخط ودقته وسقمه وجودته، واعوجاجه واستقامته، كل ذلك محدث والحروف التي2 يتضمنه هذا المجموع قديم، وكذلك نقول في الصوت حركة اللسان والشفة، وصفاء الحنجرة وخشونتها، وغلظها ودقتها، والإسرار والإجهار، كل ذلك أيضاً محدث لأن هذه