إذا عرفت هذا، فقد أشار ابن القيم في أول «زاد المعاد» إلى تضعيف الحديث بقوله: «وأما الطيلسان، فلم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل قد ثبت في «صحيح مسلم» «من حديث النواس بن سمعان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر الدجال، فقال: «يخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، عليهم الطيالسة». ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة، فقال: ما أشبههم بيهود خيبر. ومن هنا كره لبسها جماعة من السلف».
ثم احتج على الكراهة بحديث: «من تشبَّه بقوم، فهو منهم». وهو حديث حسن صحيح مخرج في «جلباب المرأة المسلمة» «203 - 204» عن ابن عمر وغيره.
وأثر أنس أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم «4208». لكن قوله: «ولا أحد من أصحابه». ففيه نظر، وإن مر عليه المعلقان على «الزاد» «1/ 142 - طبع المؤسسة» فلم يعلقا عليه بشيء! كما أنهما لم يخرجا أكثر من مادة الكتاب حديثاً وآثاراً، ومن ذلك أثر أنس هذا! وقد كنت ذكرت في «التعليقات الجياد على زاد المعاد» أن القسطلاني في «المواهب اللدنية» تعقبه بأن ابن سعد روى من طريقين: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان يلبس الطيالسة. ثم رأيت مثله عن جماعة من السلف في «مصنف ابن أبي شيبة» «كتاب اللباس» منهم إبراهيم -وهو: ابن يزيد النخعي- رقم «4739»، والأسود بن هلال «4741»، وعبد الله بن يزيد «4742»، وسعيد بن المسيب «4743»، وعبد الله بن مغفل رضي الله عنه «4746». قلت: فالقول بالكراهة مع لبس هؤلاء الأفاضل للطيلسان - لا سيما وفيهم الصحابي الجليل عبد الله بن مغفل - بعيد جداً، أضف إلى ذلك أن بعضهم كان يغالي بشراءه، فروى ابن أبي شيبة «4963» عن مغيرة قال: كان إبراهيم لا يرى بأساً أن يلبس الثوب بخمسين درهماً، يعني: الطيلسان. و «4964» عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن مسروق قال: كان لا يغالي بثوب إلا بطيلسان. فبهذه الآثار التي خفيت على ابن القيم - يرد القول بالكراهة، وليس بحديث الترجمة -