مرتين، والسبب في ذلك أن عدوى معصيته تنتقل إلى غيره، فيتضرر الغير بمعصيته في نفسه، كذلك الدخان الذي يشربه الإنسان لا يكتفي بأنه يضر نفسه وماله، بل يتعد في ضرره إلى غيره، هذا الذي يسمى في لغة العرب بـ الإضرار، ما يتعلق بنفسه «الضرر»، وما يتعلق بغيره «إضرار»، لذلك قال -عليه الصلاة والسلام-: لا ضرر ولا ضرار، فلا يجوز للمسلم أن يضرب بنفسه، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يضر بغيره، شارب الدخان جمع الخبيثتين، خبيثة الإضرار بنفسه على التفصيل السابق مادياً وبدنياً، وخبيثة الإضرار بالغير، لا أعني هنا بالإضرار بالغير كالذي يعلن هذا شارب الدخان يعلن شرب الدخان أمام الناس، هذا واضح، لكنه بهذا الدخان الذي يبثه في الجو الصافي النقي فهو يضر الآخرين، ومعلوم الآن من الأخبار والمجلات الطبية أنه سبب الإضرار الدخان في بدن متعاطيه إنما يعود إلى المادة الكمينة فيه وهي التي يسمونها بـ النيكوتين، يقولون: هذا الدخان الذي ينفثه شاربه شارب الدخان هو فيه مادة النيكوتين، فهؤلاء الأبرياء الذين طهرهم الله من شرب الدخان مكرهين من هذا الشارب أن يشموا وأن يبلغوا رغم أنوفهم شيء من مادة النيكوتين، إذاً هو جمع المصيبتين في الحديث: الضرر بنفسه والإضرار في غيره.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - من رأفته ورحمته بأمته أنه جاءهم بكل خير، وحذرهم من كل شر، حتى وصل به الأمر إلى أن ينهى المسلم أن يتعاطى الطعام الحلال، أن يتعاطى الطعام الحلال الذي فيه رائحة كريهية إذا ما كان من الواجب عليه أن يحضر مجلساً فيشم الجالسون منه تلك الرائحة الكريهة، فنهاه عن هذا الطعام الحلال، لكي لا يؤذي غيره برائحة الطعام الحلال، وعرفتهم طبعاً ما هو هذا الطعام؛ الثوم والبصل، فقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة، فلا يقربن مصلانا»، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، إذاً كأن الرسول -عليه السلام- يقول: أيها المسلم المصلي لا تأكلن طعاماً فيه ثوم أو بصل وتحضر المسجد، كل الطعام فيه الثوم والبصل قبل أن تحضر المسجد، أما إذا أكلت هذا الطعام قبيل حضورك المسجد نحن في غنى عن حضورك المسجد، مع أنه حضور المسجد فرض عليه، فرض عليه كالصلاة نفسها، لم يقتصر -عليه السلام- على هذا التوجيه: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة، فلا يقربن مصلانا»، بل طبق ذلك عملياً، حيث دخل ذات يوم المسجد النبوي فشم من أحدهم رائحة