إطلاق الإعفاء، لم يجر عمل السلف، فهذه نصوص تدل على أن السلف كانوا يأخذون، فمن يقول: نحن نأخذ بعموم النص ونخالف فعل ابن عمر فهو فعل أبي هريرة أو غيره من الصحابة الذين أشير إليهم في بعض الروايات التي ذكرتها آنفًا، هذا يقدم فهمه بالنص على فهم ابن عمر وغيره من السلف.
هنا يقال خاصة من ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه: المغني، في كثير من الأحيان يروي رواية عن بعض الصحابة ويقول: لا نعرف له مخالفًا، فيكون إجماعًا أو فعله إجماع، ونحن نقول هنا: ابن عمر لا نعرف له مخالفًا بل نعرف له موافقًا، ولا نعرف لهؤلاء مخالفًا، فحينئذٍ أقول: إن إعفاء اللحية إنما هو في حدود ما ثبت عن راوي الحديث وهو ابن عمر.
وهنا تأتي قاعدة فقهية، هناك قاعدتان أرجو ألا يلتبس إحداهما بالأخرى: القاعدة التي ترد هنا: هي أن الراوي أدرى بمرويه من غيره، وهذا هنا يصدق ابن عمر أدرى بقول نبيه وقد سمعه من فمه ووجده مطبقًا في لحيته: «أعفوا اللحى» هو يفهم إن كان هذا الإعفاء مطلق فلا يجوز الأخذ منه، أو يجوز الأخذ منه أكثر منا نحن الخلف، فالراوي أدرى بمرويه من غيره، هذه قاعدة.
هناك قاعدة أخرى يقول بها الحنفية فقط خلافًا للجمهور، وقول الجمهور هو الصواب، ذلك قولهم أعني الحنفية: أنه إذا خالف رأي الراوي روايته فهل العبرة بروايته أم برأيه؟ قال الأحناف: العبرة برأيه لا بروايته، قال الجمهور: لا، العبرة بروايته وليس برأيه، هذه قاعدة غير تلك القاعدة، تلك القاعدة تقول: الراوي أدرى بمرويه من غيره، أما هنا، فتقول قاعدة الحنفية: رأي الراوي المخالف لروايته يقدم على روايته، وضربوا على ذلك مثالًا، والمثال يوضح لكم الفرق بين القاعدتين:
تعلمون جميعًا قوله عليه الصلاة والسلام: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب» جاء عن أبي هريرة: أن الإناء الذي ولغ فيه الكلب يغسل ثلاثًا فقط، فأخذ الأحناف برأي أبي هريرة، مع أنه هو روى حديث