السائل إليه أنه ينظر هنا إلى القصد، فإذا كان النظر بقصد سيء فهو المقصود بالآية، أما إذا كان النظر لقصد حسن فليس يدخل في النهي في الآيتين، هذا هو من باب التأويل الذي دخل في الخلف على خلاف طريقة السلف؛ لأن طريقة السلف هو تفسير الآية بالآية وإلا تفسير الآية بالحديث، وهنا أحاديث كثيرة تبين لنا أن النظرة الأولى لك والثانية عليك، قال عليه السلام: «يا علي! لا تتبع النظرة النظرة، فإن النظرة الأولى لك والثانية عليك» من ذا الذي يستطيع أن يقول: إنه أحصن وأمسك وأضبط لهواه ولنفسه من علي، من هؤلاء المتأخرين أمثالي ليقول: أنا أنظر نظرة نظيفة طاهرة، وهذا الرجل الطاهر الزكي النفس قد قال له عليه السلام صراحًة: «لا تتبع النظرة النظرة فإن النظرة الأولى لك والثانية عليك» أي: إن من أعاد النظر إلى شخص المرأة لذاتها فذلك من فتنة الشيطان.
ولذلك جاء في حديث الخثعمية في صحيح البخاري لما وقفت لتسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أبيها وقد أدركته فريضة الله الحج وهو شيخ كبير لا يثبت على الرحل، قالت: «أفأحج عنه؟ قال لها: حجي عنه» ورديف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن عباس، فكان ينظر إليها وتنظر إليه وهما شابان، وكان هو وضيئًا، وكان هي جميلة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرف بصر الفضل إلى الجانب الآخر كي لا يدخل الشيطان بينهما فمن ذا الذي يستطيع أن يقول: إني أملك من نفسي ما لم يملك الفضل بن عباس من نفسه حتى صده الرسول عليه السلام عن تكرار النظر إلى الخثعمية بيده.
إذًا: غضوا من أبصاركم، هو كما قال عليه السلام في الحديث الآخر لما سئل عن نظرة الفجأة قال: «اصرف بصرك» نظرة الفجأة هي النظرة الأولى، أما أن تكرر النظر المرة والمرة فهذا قد أمرنا به أن نصرفه «اصرف بصرك» الحديث في صحيح مسلم، لذلك لا يجوز للمرأة أن تكرر النظر إلى الرجل كما أنه لا يجوز للرجل أن يكرر النظر إلى المرأة إلا في حالة واحدة وهي حالة الخطبة «إذا وقع في نفس أحدكم أن يخطب امرأة فلينظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينهما».