الشيخ: فقه الحديث -أي حديث كان- لا يجوز أن يُسْتَنبط الفقه منه إلا مع التوجه والنظر للأحاديث الأخرى المتعلقة بالباب، فمن الأحاديث المعروفة حديث بئر بضاعة: «فالماء طهور لا يُنَجِّسه شيء». فحينئذٍ لا بد من النظر في كُلٍّ من الحديثين معاً، لا يجوز النظر في حديث القُلَّتين لوحده، ولا في حديث البئر لوحده وإنما كليهما معاً، فإذا كان الأمر كذلك فحديث القلتين واضح الدلالة من حيث المعنى، وإن كان ليس واضح الدلالة من حيث عمومه وشموله، بخلاف حديث البئر فهو يحتاج إلى شيء من التوضيح والبيان.
«الماء طهور لا يُنَجِّسه شيء» ما معنى: لا ينجسه شيء؟ توضيحه في رواية أخرى لا تصح من حيث إسنادها، لكن الإجماع على العمل بها، وهي التي تقول: «ما لم يتغير طمعه أو لونه أو ريحه» وحينئذٍ فقوله عليه السلام: «الماء طهور» يعني: ما بقي على طهوريته وعلى إطلاقه، إذا رأيته قلت عنه ماء، إذا كان هذا هو معنى الحديث -وهو كذلك يقيناً- حينئذٍ نعود للنظر في حديث القلتين.
«إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» هل هو على إطلاقه؟ بمعنى: وعاء فيه متَّسَع لأكثر من قُلَّتين ولنقل يتسع لأربع قُلَل من الماء، فيه ما أذكر يمكن عشر تنكات، أو ما أشبه ذلك ..
القصد: هذا الوعاء الذي يتسع لأربع قُلَل من الماء فيه قُلَّتان من الماء فالحديث يقول: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» ترى ما نسبة الخبث الذي إذا وقع في هذا الماء البالغ قلتان يظل طاهراً، ولا يحمل الخبث، أي: لا يغلب عليه الخبث.
وكما أقول في كثير من المناسبات: دعنا نضربها -على التعبير السوري-: «علاوية» هذا الوعاء يتسع لأربع قُلَل، فيه قُلَّتين من الماء النقي الطاهر، وقع فيه قلتان بول، هل يقال: لا يحمل الخبث أو لم يحمل الخبث؟ ! ما أظن أحداً يقول بظاهر هذا الحديث: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث» هذا واضح.
انزل الآن من فوق إلى تحت .. فننزل ونقول: بدل القلتين بول، قلة .. بدل القُلَّة نصف قلة .. وهكذا.