منه عليه السلام شرع وارد، وحكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ». قلت: والحق أن غسل الجمعة واجب؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب قبله صريحة في ذلك لا تقبل التأويل إلا بتكلف واضح؛ لكنها لا تفيد الشرطية، فمن اغتسل يوم الجمعة؛ فقد أدى الواجب الذي عليه، ومن تركه فقد أثم؛ لكن صلاة الجمعة صحيحة. والله تعالى أعلم.
صحيح سنن أبي داود (2/ 192)
[قال الإمام في تلخيص المسائل المتعلقة بالجمعة من رسالة «الموعظة الحسنة بما يخطب به في شهور السنة» لصديق حسن خان]: الأحاديث الصحيحة الثابتة في «الصحيحين» وغيرهما من طريق جماعة من الصحابة قاضية بوجوب الغسل للجمعة، ولكنه ورد ما يدل على عدم الوجوب أيضا عند أصحاب «السنن» يقوي بعضه بعضا فوجب تأويله على أن المراد ب «الوجوب» تأكيد المشروعية جمعا بين الأحاديث وإن كان لفظ «واجب» لا يصرف عن معناه إلا إذا ورد ما يدل على صرفه كما نحن بصدده لكن الجمع متقدم على الترجيح ولو كان بوجه بعيد.
[قال الإمام معلقاً]: قلت لا شك أن الجمع مقدم على الترجيح، ولكن الجمع إذا كان بعيدا كهذا الذي جمع به المؤلف بين الحديثين لم تطمئن النفس إليه ونظرت لعلها تجد ما هو أقرب إلى الاطمئنان وقد كنت قرأت قديما كلاما لبعض الأئمة اطمأنت إليه نفسي وانشرح له قلبي فها أنا أنقله إلى القارئ ليتأمل فيه ثم يتبع ما اطمأنت له نفسه من الجمعين: قال ابن حزم في المحلى 2/ 14 بعد أن ساق حديث: «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل» وما في معناه مما أشار إليه المصنف: لو صحت لم يكن فيها نص ولا دليل على أن غسل الجمعة ليس بواجب وإنما فيها أن الوضوء نعم العمل وأن الغسل أفضل وهذا لا شك فيه وقد قال الله تعالى {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} فهل دل هذا اللفظ على أن