هذا هو الأمر الأول.
الأمر الآخر: أن القول بجواز هذا العمل فضلاً عن القول بشرعيته يلزم منه معاكَسَة أو على الأقل مخالفة توجيهات نبوية كريمة، وهي تدور كلها حول الحض للمسلم الذي يعتني بإمامة الناس.
والإمامة تستلزم أن يكون متميزاً في حفظه للقرآن؛ لأن ذلك هو السبب الأول الذي يجعل للحافظ حق الأولوية في إمامة الناس كما جاء في صحيح مسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدَمُهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأكبرهم سناً».
إذاً: المرتبة الأولى التي بها يستحق المتصف بها الإمامية هو حفظ القرآن.
فهذا الحفظ لكي لا يفلت ولا يذهب من الحافظ ما تعب على حفظه برهة من الزمان، قال عليه الصلاة والسلام: «تعاهدوا هذا القرآن وتَغَنَّوا به، فوالذي نفس محمد بيده، إنه أشد تفلتاً من صدور الرجال من الإبل من عقلها».
ففتح باب تجويز القراءة من الإمام من المصحف يصرفه كما يقال اليوم أوتوماتيكياً عن تنفيذ الأمر النبوي تعاهدوا، لماذا يتعاهد القرآن، وهاهم العلماء يجيزون له أن يقرأ من القرآن المفتوح بين يديه، هذا أمر لا بد منه، أي: أتى باب القول بجواز القراءة من المصحف من الإمام، من آثاره السيئة عدم الاهتمام بحفظ القرآن، لكن قد يكون له آثار أو مخلفات أخرى سيئة، وذلك يختلف من إمام إلى آخر.
وأنا أذكر ما رأيته بعيني هاتين في بعض المساجد حينما كُتِب لي أن أصلي وراء إمام وبحضرة إمام من أئمة المسلمين العلماء الفقهاء، كان يقرأ في صلاة التراويح من المصحف، فإذا ركع وضع المصحف تحت إبطه، فالآن أنا رأيته وأظنكم تتصورون معي أنه شبه مُغَلَّل، ذلك لأنه لا يستطيع أن يرفع يديه هكذا؛ لأن المصحف سيقع منه، فإذاً: هو سَيُدَاري ما تأبطه من المصحف فلا يرفع يده كما ينبغي، وهل يقف المحظور والأثر المحظور إلى هذا الوضع فقط؟