الواجبات لا يقال فيه: «استحوذ عليه الشيطان» كما يشير إلى ذلك حديث الأعرابي: «دخل الجنة إن صدق» وهذا بين لا يخفى.
ويغلب على ظني أن المؤلف حين كتب هذه المسألة كان متأثرا بما قرأه في «نيل الأوطار» للشوكاني في هذا البحث فإنه عفا الله عني وعنه قد أجاب عن الأحاديث المقيدة للوجوب بأجوبة تصرفها إلى الندب في زعمه ولكن من يمعن النظر في تلك الأجوبة يعلم ضعفها وتكلفها ولا سيما والشوكاني لم يتعرض للإجابة عن كل أدلة الوجوب التي منها الحديث السادس ومنها حديث: «من سمع النداء فلم يجبه فلا صلاة له إلا من عذر» وقد أورده المؤلف في الجمعة وعلقت عليه هناك بما فيه كفاية
بل سلم في «أبواب الأذان» أنه دليل على وجوب الأذان والإقامة قال: «لأن الترك الذي هو نوع من استحواذ الشيطان يجب تجنبه».
قلت: رواية أبي داود تدل على أن المراد بقوله: «لا تقام فيهم الصلاة» أي: صلاة الجماعة والشوكاني فهم من الحديث ما ذكرناه عنه لرواية أحمد له بلفظ: «ما من ثلاثة لا يؤذنون ولا تقام فيهم الصلاة ... » وأنا لا أفهم منه إلا الجماعة ولو سلمنا أن المراد الإعلام عنها ب «الله أكبر الله أكبر ... الخ» فنقول للشوكاني:
إذا سلمت بأن الحديث دليل على وجوب الأذان والإقامة فهو دليل على وجوب الجماعة من باب أولى لأن الأذان والإقامة بالنسبة للجماعة كالوسيلة مع الغاية فإذا وجبت الوسيلة فمن باب أولى أن تجب الغاية فتأمل.
ومن أدلة الوجوب قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ... } الآية. وذلك من وجهين:
أحدهما: أنه أمرهم بصلاة الجماعة معه في حال الخوف وذلك دليل على وجوبها حال الخوف وهو يدل بطريق الأولى على وجوبها حال الأمن.
الثاني: أنه سن صلاة الخوف جماعة وسوغ فيها ما لا يجوز لغير عذر كاستدبار