وشيءٌ ثانٍ: قد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمراً لا هوادة ولا تساهل فيه، كُلَّ مسلم سليم غير مريض، أن يُصَلِّي في المسجد، وهَدَّده بأنه إذا تخلَّف عن المسجد حرّق عليه بيته، كما جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لقد هممت أن آمر رجلاً فيُصَلِّي بالناس، ثم آمر رجالاً فيحطبوا حطباً، ثم أخالف إلى أناس يَدَعون الصلاة مع الجماعة، فأحرِّق عليهم بيوتَهم، والذي نفس محمد بيده لو يعلم أحدهم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهدها» يعني: صلاة العشاء.
وإنما لم يُحَرّق الرسول -عليه السلام- بيوتَ أولئك المتخلفين عن حضور صلاة الجماعة في المسجد؛ لأنه يوجد في البيوت من لا يجب عليهم صلاة الجماعة، كالأطفال الصغار، بل والنساء الكبار؛ لأن صلاة النساء في بيوتهن خير لهن.
لهذا السبب: هَمَّ عليه السلام بتحريقهم، ولم يُنَفِّذ ما همّ عليه لوجود المانع، وهو وجود من لا تجب عليه الصلاة في المسجد، النساء والأطفال الصغار.
ولو لم يكن هناك في تعيير وتعييب هؤلاء المتخلفين عن مساجد المسلمين، إلا أنهم يتشبهون بالنساء اللاتي يصلين في البيوت وليس في المساجد، لكفى بهم عاراً وعيباً، فكيف وقد هَمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريق بيوت أمثال هؤلاء المتخلفين.
ولذلك جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: «كنا نعد المتخلفين عن صلاة الجماعة، أنه لا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق».
والحقيقة: أن جشع المسلمين وتكالبهم على الدنيا، وإهمالهم الاهتمام بأمور الشريعة، هو السبب الذي يحمل هؤلاء الناس في أن لا يصلوا في المساجد، وأن يقنعوا في الصلاة في حوانيتهم ودكاكينهم.
والواقع أن هذه غفلة كبيرة جداً، عن كون كل مسلم يؤمن بأن الرزق مقسوم، فهم ينسون أو يتناسون هذه الحقيقة، فيطلبون الرزق من الله بمعصية الله، وقد قال عليه السلام، وبه أختم هذا الكلام: «يا أيها الناس إن أحداً لن يموت حتى يستكمل رزقه، وأجله، فأجملوا في الطلب، فإن ما عند الله لا ينال بالحرام».
(الهدى والنور/20/ 40: 29: 1)