991 - وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَا: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتُفْتَحُ لَكُمُ الْأَرْضُ وَيَأْتِيكُمْ قَوْمٌ» أَوْ قَالَ: «غِلْمَانٌ حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ , وَيَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ وَيَتَعَلَّمُونَ مِنْكُمْ فَإِذَا جَاءُوكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَأَلْطِفُوهُمْ وَوَسِّعُوا لَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَفَهِّمُوهُمُ الْحَدِيثَ» فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ لَنَا: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ نُوَسِّعَ لَكُمْ فِي الْمَجْلِسِ وَأَنْ نُفَهِّمَكُمُ الْحَدِيثَ» -[580]-
992 - وَيُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " مِنْ حَقِّ الْعَالِمِ عَلَيْكَ إِذَا أَتَيْتَهُ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَعَلَى الْقَوْمِ عَامَّةً وَتَجْلِسَ قُدَّامَهُ، وَلَا تُشِرْ بِيَدَيْكَ , وَلَا تَغْمِزْ بِعَيْنَيْكِ، وَلَا تَقُلْ: قَالَ فُلَانٌ خِلَافَ قَوْلِكَ، وَلَا تَأْخُذْ بِثَوْبِهِ , وَلَا تُلِحَّ عَلَيْهِ فِي السُّؤَالِ؛ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّخْلَةِ الْمُرْطِبَةِ لَا يَزَالُ يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيْءٌ"
993 - وَقَالُوا: مِنْ تَمَامِ آلَةِ الْعَالِمِ أَنْ يَكُونَ مَهِيبًا وَقُورًا بَطِيءَ الِالْتِفَاتِ قَلِيلَ الْإِشَارَةِ لَا يَصْخَبُ وَلَا يَلْعَبُ وَلَا يَجْفُو وَلَا يَلْعَبُ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مَعَ أَدَاءِ مَا لِلَّهِ عَلَيْهِ" -[581]-
994 - وَبَلَغَنِي أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ قِيلَ لَهُ: " لَوْ أَلَّفْتَ كِتَابًا فِي آدَابِ الْقُضَاةِ، قَالَ: وَهَلْ لِلْقَاضِي أَدَبٌ غَيْرُ أَدَبِ الْإِسْلَامِ؟ ثُمَّ قَالَ: إِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْحَقِّ فَلْيَقْعُدْ فِي مَجْلِسِهِ كَيْفَ شَاءَ، وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ إِنْ شَاءَ"
995 - وَقَالُوا: «الْوَاجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ لَا يُنَاظِرَ جَاهِلًا وَلَا لَجُوجًا؛ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْمُنَاظَرَةَ ذَرِيعَةً إِلَى التَّعَلُّمِ بِغَيْرِ شُكْرٍ»
996 - وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ الْقِرِّيَّةِ: " أَحَقُّ النَّاسِ بِالْإِجْلَالِ ثَلَاثَةٌ: الْعُلَمَاءُ , وَالْإِخْوَانُ , وَالسُّلْطَانُ، فَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالْعُلَمَاءِ أَفْسَدَ دِينَهُ , وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالْإِخْوَانِ أَفْسَدَ مُرُوءَتَهُ , وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِالسُّلْطَانِ أَفْسَدَ دُنْيَاهُ، وَالْعَاقِلُ لَا يَسْتَخِفُّ بِأَحَدٍ" قَالَ: «وَالْعَاقِلُ الدِّينُ شَرِيعَتُهُ , وَالْحِلْمُ طَبِيعَتُهُ , وَالرَّأْيُ الْحَسَنُ سَجِيَّتُهُ» قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَآدَابُ الْمُنَاظَرَةِ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا، وَقَدْ أَلَّفَ قَوْمٌ فِي أَدَبِ الْجَدَلِ وَأَدَبِ الْمُنَاظَرَةِ كُتُبًا، مَنْ طَالَعَهَا وَقَفَ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ عَنِ السَّلَفِ مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ مَا يُغْنِي وَيَكْفِي , بَلْ مَا يُغْنِي وَيُشْفِي مَنْ جِهَةِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ عَلَى طَرَائِقَهِمْ وَهَدْيِهِمْ فَهُوَ الْعِلْمُ وَالْأَدَبُ لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ،
997 - وَأَحْسَنُ مَا رَأَيْتُ فِيَ آدَابِ التَّعَلُّمِ وَالتَّفَقُّهِ مِنَ النَّظْمِ مَا يُنْسَبُ إِلَى اللُّؤْلُؤِيِّ مِنَ الرَّجَزِ، وَبَعْضُهُمْ يَنْسِبُهُ إِلَى الْمَأْمُونِ وَقَدْ رَأَيْتُ إِيرَادَ مَا ذَكَرَ مِنْ ذَلِكَ لِحُسْنِهِ وَلِمَا رَجَوْتُ مِنَ النَّفْعِ بِهِ لِمَنْ طَالَعَ كِتَابِي هَذَا نَفَعَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ بِهِ، -[582]- قَالَ:
[البحر الرجز]
وَاعْلَمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّعَلُّمِ ... وَالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَالتَّفَهُّمِ
وَالْعِلْمُ قَدْ يُرْزَقُهُ الصَّغِيرُ ... فِي سِنِّهِ وَيُحْرَمُ الْكَبِيرُ
وَإِنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ ... لَيْسَ بِرِجْلَيْهِ وَلَا يَدَيْهِ
لِسَانُهُ وَقَلْبُهُ الْمُرَكَّبُ ... فِي صَدْرِهِ وَذَاكَ خُلْقٌ عَجَبُ
وَالْعِلْمُ بِالْفَهْمِ وَبِالْمُذَاكَرَةِ ... وَالدَّرْسِ وَالْفِكْرَةِ وَالْمُنَاظَرَةِ
فَرُبَّ إِنْسَانٍ يَنَالُ الْحِفْظَا ... وَيُورِدُ النَّصَّ وَيَحْكِي اللَّفْظَا
وَمَا لَهُ فِي غَيْرِهِ نَصِيبٌ ... مِمَّا حَوَاهُ الْعَالِمُ الْأَدِيبُ
وَرُبَّ ذِي حِرْصٍ شَدِيدِ الْحُبِّ ... لِلْعِلْمِ وَالذِّكْرِ بَلِيدُ الْقَلْبِ
مُعْجِزٌ فِي الْحِفْظِ وَالرِّوَايَةِ ... لَيْسَتْ لَهُ عَمَّنْ رَوَى حِكَايَةٌ
وَآخَرُ يُعْطِي بِلَا اجْتِهَادِ ... حِفْظًا لِمَا قَدْ جَاءَ فِي الْإِسْنَادِ
يَهْدِهِ بِالْقَلْبِ لَا بِنَاظِرِهِ ... لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إِلَى قَمَاطِرِهِ
فَالْتَمِسِ الْعِلْمَ وَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ ... وَالْعِلْمُ لَا يَحْسُنُ إِلَّا بِالْأَدَبِ
وَالْأَدَبُ النَّافِعُ حُسْنُ السَّمْتِ ... وَفِي كَثِيرِ الْقَوْلِ بَعْضُ الْمَقْتِ
فَكُنْ لِحُسْنِ السَّمْتِ مَا حَيِيتَا ... مُقَارِفًا تُحْمَدُ مَا بَقِيَتَا
وَإِنْ بَدَتْ بَيْنَ النَّاسِ مَسْأَلَةٌ ... مَعْرُوفَةٌ فِي الْعِلْمِ أَوْ مُفْتَعَلَةٌ
فَلَا تَكُنْ إِلَى الْجَوَابِ سَابِقًا ... حَتَّى تَرَى غَيْرَكَ فِيهَا نَاطِقَا
فَكَمْ رَأَيْتُ مِنَ عَجُولٍ سَابِقٍ ... مِنْ غَيْرِ فَهْمٍ بِالْخَطَأِ نَاطِقُ
أَزْرَى بِهِ ذَلِكَ فِي الْمَجَالِسِ ... عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ وَالتَّنَافُسِ
-[583]- وَقُلْ إِذَا أَعْيَاكَ ذَاكَ الْأَمْرُ ... مَالِي بِمَا تَسْأَلُ عَنْهُ خَبَرُ
فَذَاكَ شَطْرُ الْعِلْمِ عِنْدَ الْعُلَمَا ... كَذَاكَ مَا زَالَتْ تَقُولُ الْحُكَمَا
وَالصَّمْتُ فَاعْلَمْ بِكَ حَقًّا أَزْيَنُ ... إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ عِلْمٌ مُتْقَنُ
إِيَّاكَ وَالْعُجْبَ بِفَضْلِ رَأْيِكَا ... وَاحْذَرْ جَوَابَ الْقَوْلِ مِنْ خَطَائِكَا
كَمْ مِنْ جَوَابٍ أَعْقَبَ النَّدَامَةَ ... فَاغْتَنِمِ الصَّمْتَ مَعَ السَّلَامَةِ
الْعِلْمُ بَحْرٌ مُنْتَهَاهُ يَبْعُدُ ... لَيْسَ لَهُ حَدٌّ إِلَيْهِ يُقْصَدُ
وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ قَدْ حَوَيْتَهُ ... أَجَلْ وَلَا الْعُشْرَ وَلَوْ أَحْصَيْتَهُ
وَمَا بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْهُ أَكْثَرُ ... مِمَّا عَلِمْتَ وَالْجَوَادُ يَعْثُرُ
فَكُنْ لِمَا سَمِعْتَهُ مُسْتَفْهِمَا ... إِنْ أَنْتَ لَا تَفْهَمُ مِنْهُ الْكَلِمَا
الْقَوْلُ قَوْلَانِ فَقَوْلٌ تَعْقِلُهُ ... وَآخَرُ تَسْمَعُهُ فَتَجْهَلُهُ
وَكُلُّ قَوْلٍ فَلَهُ جَوَابٌ ... يَجْمَعَهُ الْبَاطِلُ وَالصَّوَابُ
وَلِلْكَلَامِ أَوَّلٌ وَآخِرُ ... فَافْهَمْهُمَا وَالذِّهْنُ مِنْكَ حَاضِرُ
لَا تَدْفَعِ الْقَوْلَ وَلَا تَرُدَّهُ ... حَتَّى يُؤَدِّيَكَ إِلَى مَا بَعْدَهُ
فَرُبَّمَا أَعْيَى ذَوِي الْفَضَائِلِ ... جَوَابُ مَا يَلْقَى مِنَ الْمَسَائِلِ
فَيُمْسِكُوا بِالصَّمْتِ عَنْ جَوَابِهِ ... عِنْدَ اعْتِرَاضِ الشَّكِّ فِي صَوَابِهِ
وَلَوْ يَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِيَاسِ ... مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ عِنْدَ النَّاسِ
إِذًا لَكَانَ الصَّمْتُ عَيْنٌ مِنَ الذَّهَبِ ... فَافْهَمْ هَدَاكَ اللَّهُ آدَابَ الطَّلَبِ