1892 - وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، ثنا أَسْلَمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا وَهُوَ يَعْمَى عَنْهَا كَانَ إِثْمُهَا عَلَيْهِ» وَقَدِ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ النَّظَرِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَجَازَ التَّقْلِيدَ بِحُجَجٍ نَظَرِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ فَأَحْسَنُ مَا رَأَيْتُ مِنَ ذَلِكَ
1893 - قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَنَا أُورِدُهُ قَالَ: " يُقَالُ لِمَنْ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ: هَلْ لَكَ مِنْ حُجَّةٍ فِيمَا حَكَمْتَ بِهِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أُبْطِلَ التَّقْلِيدُ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا التَّقْلِيدُ، وَإِنْ قَالَ: حَكَمْتُ فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ قِيلَ لَهُ: فَلِمَ أَرَقْتَ الدِّمَاءَ وَأَبَحْتَ الْفُرُوجَ وَأَتْلَفْتَ الْأَمْوَالَ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: 68] أَيْ مِنْ حُجَّةٍ بِهَذَا فَإِنْ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْتُ وَإِنْ لَمْ أَعْرِفِ الْحُجَّةَ؛ لِأَنِّي قَلَّدْتُ كَبِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ، قِيلَ لَهُ: إِذَا جَازَ تَقْلِيدُ مُعَلِّمِكَ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْكَ فَتَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَى مُعَلِّمِكَ، كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْكَ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ أَعْلَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، -[993]- وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ نَقَضَ قَوْلَهُ وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عِلْمًا وَهَذَا يَتَنَاقَضُ، فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ مُعَلِّمِي وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ، فَهُوَ أَبْصَرُ بِمَا أَخَذَ وَأَعْلَمُ بِمَا تَرَكَ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمِكَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ وَعِلْمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ؛ فَيَلْزَمُكَ تَقْلِيدُهُ وَتَرْكُ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ، وَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوْلَى أَنْ تُقَلِّدَ نَفْسَكَ مِنْ مُعَلِّمِكَ؛ لِأَنَّكَ جَمَعْتَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ وَعِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِكَ، فَإِنْ فَادَ قَوْلَهُ جُعِلَ الْأَصْغَرَ وَمَنْ يُحَدِّثُ مِنْ صِغَارِ الْعُلَمَاءِ أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ الصَّاحِبُ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ التَّابِعِ، وَالتَّابِعُ مَنْ دُونَهُ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ والْأَعْلَى الْأَدْنَى أَبَدًا وَكَفَى بِقَوْلٍ يَؤُولُ إِلَى هَذَا قُبْحًا وَفُسَادًا"
1894 - قَالَ أَبُو عُمَرَ: " وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ: حَدُّ الْعِلْمِ التَّبْيِينُ وَإِدْرَاكُ الْمَعْلُومِ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ، فَمَنْ بَانَ لَهُ الشَّيْءُ فَقَدْ عَلِمَهُ، قَالُوا: وَالْمُقَلِّدُ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ وَمِنْ هَا هُنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْبَخْتَرِيُّ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الزَّيَّاتِ:
[البحر الخفيف]
عَرَفَ الْعَالِمُونَ فَضْلَكَ بِالْعِلْـ ... ـمِ وَقَالَ الْجُهَّالُ بِالتَّقْلِيدِ
وَأَرَى النَّاسَ مُجْمِعِينَ عَلَى ... فَضْلِكَ مِنْ بَيْنِ سَيِّدٍ وَمَسُودِ
1895 - وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ خُوَازٍ مِنْدَادٌ الْبَصْرِيُّ الْمَالِكِيُّ: «التَّقْلِيدُ مَعْنَاهُ فِي الشَّرْعِ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلٍ لَا حُجَّةَ لِقَائِلِهِ عَلَيْهِ، وَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالِاتِّبَاعُ مَا ثَبَتَ عَلَيْهِ حُجَّةٌ» وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ: «كُلُّ مَنِ اتَّبَعْتَ قَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِبَ عَلَيْكَ قَبُولُهُ لِدَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ فَأَنْتَ مُقَلِّدُهُ، وَالتَّقْلِيدُ فِي دِينِ اللَّهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْكَ الدَّلِيلُ اتِّبَاعَ قَوْلِهِ فَأَنْتَ مُتَّبِعُهُ والِاتِّبَاعُ فِي الدِّينِ مَسُوغٌ وَالتَّقْلِيدُ مَمْنُوعٌ»