هذا حقُك، فعَرَضْتُها عليه جميعًا، فقال: يا عبد اللَّه. لا تسخَرْ بي، إن لم تَصَّدَّقْ عليّ فأعطِني حقّي. قلت: واللَّه ما أسخر بك، إنّها لحقُّك، مالي منها شيء، فدفَعْتُها إليه جميعًا. اللهمّ إنّ كُنتُ فعلتُ ذلك لوجهك فافرجْ عنا. قال: فانصدع الجبل حتى رأَوا منه وأبصروا.
قال الآخر: قد عَمِلْتُ حسنةً مرّة: كان لي فضلٌ فأصابت النّاسَ شِدّةٌ، فجاءتني امرأةٌ تطلبُ مني معروفًا، فقلت: واللَّه ما هو دونَ نفسِك، فأبت عليَّ وذهبت، ثم رجعتْ فذكَّرَتْني اللَّه عَزّ وجلّ فأبَيْتُ عليها وقلتُ: لا واللَّه، ما هو دون نفسك فأبَتْ عليَّ وذهبتْ، فذكرتْ لزوجها، فقال لها: أعطيه نفسَك وأغني عيالك، فرجعت إليّ فناشدتني باللَّه، فأبيت عليها وقلت: واللَّه ما هو دون نفسِك. فلمّا رأت ذلك أسْلَمَتْ إليَّ نفسها، فلمّا كشفْتُها وهَمَمْتُ بها ارتعَدَت من تحتي، فقلتُ لها: ما شأنك؟ قالت: أخاف اللَّه رَبَّ العالمين. قلتُ لها: خفتيه (?) في الشدّة ولم أَخَفْهُ في الرخاء، فَتَرَكْتُها وأعطيْتُها ما يحِقُّ عليّ بما كَشَفْتُها. اللهمّ إنّ كنتُ فعلتُ ذلك لوجهك فافرُجْ عنّا، قال: فانصدع حتى عرفوا وتبيّنَ لهم.
وقال الآخر. قد عَمِلْتُ حسنةً مرّة: كان لي أبوان شيخان كبيران، وكانت لي غنم، فكنت أُطعم أبَويّ وأسقيهما ثم أرجع إلى غنمي، فأصابَني يومًا غيثٌ فحَبَسني، فلم أبرح حتى أمسَيْتُ، فأتَيتُ أهلي فأخذتُ مِحْلَبي فحلبتُ غنمي قائمةً، فمضيت إلى أبويّ فوَجَدْتُهما قد ناما، فشقَّ عليّ أن أُوقِظَهما، وشقّ عليّ أن أترُكَ غنمي، فما بَرِحْتُ جالسًا ومِحْلبي على يدي حتى أيقظَهُما الصُّبحُ فسَقَيْتُهما. اللهمّ إنّ كنتُ فعلتُ ذلك لوجهك فافرُج عنا".
قال النعمان: لكأنّي أسمع هذه من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قال الجبل: طاق، ففرَّجَ عنهم، فخرجوا" (?).