على المُجَنَّبَة الأخرى، وبعث أبا عُبيدة على الحُسَّر (?)، فأخذوا ببطن الوادي ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في كتيبته. قال: وقد وبَّشَت قريش أوباشَها (?)، وقالوا: تُقَدِّم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنّا معهم، وإن أُصيبوا أُعطينا الذي سُئلْنا. قال أبو هريرة: فنظر فقال لي: "أبا هريرة" قلت: لبَّيك يا رسول اللَّه. قال: "اهتِفْ لي بالأنصار، ولا يأتيني إلا أنصاريٌّ" فهتفْتُ بهم، فجاءوا فأطافوا برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: "أتَرَون إلى أوباش قُريش وأتباعهم؟ " ثم قال بيدَيه إحداهما على الأُخرى: اُحْصدوهم حَصْدًا حتى توافوني بالصّفا". قال أبو هريرة: فانطلَقْنا، فما يشاءُ أحدٌ منّا أن يقتلَ منهم ما شاء إلّا قتله، وما من أحد منهم يُوَجّهُ إلينا شيئًا. فجاء أبو سفيان فقال: يا رسول اللَّه، أُبيحت خضراء قريش، لا قُريشَ بعد اليوم. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أغلقَ بابَه فهو آمِن، ومن دخل دارَ أبي سفيان فهو آمِن" فغلّق الناسُ أبوابهم، فأقبل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى الحَجَر فاستلمه، ثم طاف بالبيت وفي يده قوسٌ آخِذٌ بسِية القوس (?)، فأتى في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبُدونه، فجعل يطعن بها في عينه ويقول: "جاء الحقُّ وزهق الباطلُ" ثمّ أتى الصّفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت، فرفع يدَيه، فجعل يذكُرُ اللَّه بما شاء أن يذكرَه ويدعوه والأنصار بجنبه، قال: يقول بعضهم لبعض: أمّا الرجلُ فأدرَكَتْه رغبةٌ في قريته ورأفةٌ بعشيرته.
قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لم يَخْفَ علينا، فليس أحدٌ من النّاس يرفعُ طَرْفَه إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يقضي. فلما قضى الوحيُ رفع رأسه فقال: "يا معشر الأنصار، أقُلْتُم: أما الرجلُ فأدرَكَتْه رغبةٌ في قريته ورأفةٌ بعشيرته؟ " قالوا: قلنا ذلك يا رسول اللَّه، قال: "فما اسمي إذًا، كلّا إني عبد اللَّه ورسوله، هاجرْتُ إلى اللَّه وإليكم، فالمَحيا مَحياكم والمماتُ مَماتكم"، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: واللَّهُ ما قُلنا إلّا الضَّنَّ برسول اللَّه. قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فإنّ اللَّه ورسولَه يصدَقانكم ويعذُرانكم".
انفرد بإخراجه مسلم (?).