من كتاب اللَّه، ما سألْتُه إلّا لِيَسْتَتْبِعَني، فلم يفعل، فمرّ أبو القاسم -صلى اللَّه عليه وسلم- فعرف ما في وجهي وما في نفسي، فقال: "أبا هرّ" فقلت له: لبَّيك يا رسول اللَّه، قال: "الْحَقْ"، فتَبِعْتُه فدخل، فاستأذَنْتُ فأذن لي، فوجد لبنًا في قَدَح فقال: "من أين لكم هذا اللبن"؟ فقالوا: أهداه لنا فلان - أو: آل فلان. فقال: "أبا هرّ" قلتُ: لبَّيك يا رسول اللَّه. قال: "انطلق إلى أهل الصُّفّة" (?). قال: وأهل الصُّفّة أضياف الإسلام، لم يأووا إلى أهل ولا مال، إذا جاءت رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هديةٌ أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصدقةُ أرسل بها إليهم ولم يُصِبْ منها. قال: فأحزَنَني ذلك، وكنت أرجو أن أُصيبَ من اللبن شَربةً أتقوّى بها بقيّةَ يومي وليلتي، فقلت: أنا الرسول، فإذا جاء القوم كنتُ أنا الذي أُعطيهم فما يبقى لي من هذا اللبن؟ ولم يكن من طاعة اللَّه وطاعة رسوله بُدّ، فانطلقْتُ فدعوتُهم، فأقبلوا فاستأذنوا فأَذِنَ لهم، فأَخذوا مجالسهم من البيت، ثم قال: "أبا هِرّ، خُذ فأَعْطِهم" فأَخذتُ القَدَحَ فجعلْتُ أُعطيهم، فيأخذ الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يردّ القدح فأُعطيه للآخر، فيشرب حتى يروى، ثم يردُّ القدح، حتى أتيتُ على آخرهم، ودفعتُ إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأَخذ القدح فوضعه في يده وبقي فيه فضله، ثم رفع رأسَه وتّم، فقال: "يا أبا هِرّ" فقلت: لبَّيك رسول اللَّه، قال: "بقيتُ أنا وأنت" فقلت: صدقْتَ يا رسول اللَّه. قال: "فاقعدْ فاشربْ" قال: فقعْدتُ فشربْتُ، ثم قال لي: "اشربْ" فشربْتُ، ثم قال لي: "اشربْ" فشربت، فما زال يقول لي: "اشربْ" فأشربُ، حتى قلتُ: والذي بعثَك بالحقّ، ما أَجِدُ لها مَسلكًا. قال: "ناوِلني القَدَحَ" فرَدَدْتُ إليه القَدَحَ، فشرب من الفَضلة.

انفرد بإخراجه البخاري (?).

(4415) الحديث الثاني والثمانون: حدّثنا مسلم قال: حدّثنا ابن أبي عمر قال: حدّثنا مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال:

قيل: يا رسول اللَّه، ادعُ على المشركين. قال: "إنّي لم أُبْعَثْ لعّانًا، وإنما بُعِثْتُ رحمة".

انفرد بإخراجه مسلم (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015