أقرب جبل في الأرض عليها، قامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدًا، فلم ترَ أحدًا، فهَبَطَت من الصَّفا، حتى إذا بلغتِ الواديَ رفعت طرَفَ دِرعها، ثم سَعَتْ سَعْيَ الإنسان المجهود حتى جاوزت الواديَ، ثم أتتِ المَروةَ، فقامت عليها فنظرت هل ترى أحدًا، فلم ترَ أحدًا، ففعلت ذلك سبع مرّات. قال ابن عبّاس: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فذلك سَعْيُ الناسِ بينهما". فلما أشرفَت على المروة سمعت صوتًا، فقالت: صَهْ - تريد نفسَها، ثم تسمَّعَت أيضًا، فقالت: قد أسمعْتَ إن كان عندك غَواث، فإذا هي بالمَلَكِ عند موضع زمزم، فبحث بعَقِبه -أو قال: بجناحه- حتى ظهر الماء، فجعلت تُحَوِّضُه (?) وتقول بيدها هكذا، وجعلت تغرِفُ من الماء في سقائها وهو يفورُ بعدما تغرِف. قال ابن عبّاس: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَرْحَمُ اللَّه أمَّ إسماعيل، لو تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أو قال: لو لم تَغْرِفْ من الماء لكانت زَمْزَمُ عينًا معينًا. قال: فشربت وأرضعت ولدها. فقال لها المَلَكُ: لا تخافوا الضَّيعةَ، فإنّ هاهنا بيتَ اللَّه، يُبنى كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله.
فكانت كذلك حتى مرَّت بهم رُفقة من جُرْهُم مُقبلين من طريق كَداء، فنزلوا في أسفل مكّة، فرأوا طيرًا عائفًا (?) فقالوا: إنّ هذا الطائرَ ليدورُ على ماء، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيه ماء، فأرسلوا جَرِيًّا أو جَرِيَّين (?) فإذا هم بالماء، فرجعوا فأخبروهم بالماء، فأقبلوا وأمُّ إسماعيل عند الماء. فقالوا: أتأذَنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقَّ لكم في الماء. قالوا: نعم.
قال ابن عبّاس: قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فألقى ذلك أمَّ إسماعيل وهو تُحِبُّ الإنس". فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا، حتى إذا كانوا بها أهلَ أبيات منهم، وشبَّ الغلامُ وتعلَّمَ العربيّة منهم، وأَنْفَسَهم وأَعْجَبَهم حين شبَّ، فلمّا أدرك زوَّجوه امرأةً منهم، وماتت أمُّ إسماعيل، فجاء إبراهيم بعدما تزوَّجَ إسماعيل يُطالعُ تَرِكَتَه فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه، فقالت: خَرَجَ يبتغي لنا، ثم سأَلهم عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، نحن في ضِيق وشِدّة، فشَكَتْ إليه. قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغيِّرُ عَتَبةَ بابِه. فلما جاء إسماعيل كأنّه آنسَ شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم. جاءنا