والفاعل يجب أن تتقدم المعلول والمسبب والمفعول، فإذا كان هذا علة ذاك، وجب أن يكون هذا قبله. وإذا كان ذاك علة هذا وجب أن يكون ذاك قبله، فيجب أن يكون هذا قبل ذاك، وذاك قبل هذا، وهو ممتنع، إذ هذا إذا كان قبل ذاك، وذاك قبله، كان ذاك قبلَ قبلِ نفسِه، وهو لو كان قبل نفسه كان ممتنعًا، لالتزامه اجتماع النقيضين، إذ هو قبل نفسه معدوم، فإذا كان قبلها كان معدومًا موجودًا، فيلزم هنا اجتماعهما مرتين.
وكذلك إذا قيل: يلزم أن يكون ذاك قبل هذا، وهذا قبله، يلزم مثل ذلك، فيلزم أن يكون ذاك قبلَ قبلِ نفسِه، وهذان الاجتماعان هما ذانك باعيانهما، وإنما فيه التقديم والتأخير، ومضمونه أن يكون الشيء موجودًا قبل أن يكون موجودًا بدرجتين، فإن كون الشيء فاعلاً لنفسه ممتنع، فكيف يكون فاعلاً لفاعل نفسه، وكذا كونه علة نفسه يعني أن نفسه وُجدَت فأوجدتْ نفسَه، وهذا الممتنع لازم في العلتين جميعًا، فيلزم اجَتماع النقيضين أربع مرات.
وكذلك يمتنع في العلة الغائية، التي يقال لها الحكمة والعاقبة، سواءً كانت العلة جوهرًا أو عرضًا. وذلك أن الغائية يجب تأخرها عن المعلول في الوجود، كما يجب تقدم العلة الفاعلة التي هي السبب، فإذا كان هذا علة ذاك لزم تاخر هذا عن ذاك، وبالعكس، يلزم تاخر ذاك عن هذا، فيكون هذا متاخرًا عن نفسه بدرجتين، فيلزم هنا مثل ما لزم هناك، وهو اجتماع النقيضين أربع مرات، فإن امتناع تأخر هذا عن نفسه بدرجة أو درجتين، وهكذا ذاك.