ذهب النور، وبقي في ظلمة لا يبصر، وأخبر أنهم (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)) إلى الحال التي كانوا عليها من الهدى والنور.
وأما المثل الثاني وهو حال المطر الذي فيه ظلمات ورعد يُسمَع، وبرْق يرى، وأنهم يخافون من صوت الصواعق ومن لمعان البرق، فيمتنعون، فتحصل الاَفة في سمعهم وبصرهم، وأنهم مع ذلك إذا (أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا) فهذه حال من يكون إدراكه الذي هو سمعه وبصره، وعمله الذي هو حركته، فيه خلل واضطراب وآفة ونقص وفساد، ولكن لم يعدم ذلك بالكلية.
وهذه تُشبِه حالَ من فيه إيمان ونفاق، وفي قلبه مرض، والأولى حال من ارتد عن الهدى بالكلية.
وقد قال أيضًا في سورة المنافقين (?): (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (?) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)) فأخبر أنهم آمنوا ثم كفروا كما ذكر نحو ذلك في سورة البقرة، وهذا يقتضي شيئين، أحدهما: أنه قد كان منهم ما هو إيمان، وأنهم رجعوا عنه، ومعلوم أنهم ليسوا كالمرتدين الظاهري الردة، فإن ذلك قسم آخر ذكره الله في القرآن في غير موضع، وله حكم آخر في الكتاب والسنة، بل هذه حال المنافقين المتناقضين، الذين يقولون قول المؤمنين،