وأيضًا فإن الله يُحِبُّ هذه الأعيان والأفعالَ والصفاتِ بتقدير وجودها، كما يسمع المسموعاتِ ويُبصر المدركات بتقدير وجودها، وأما ما لم يُوجَد منها وقد عُلِمَ أنه لا يُوجد، فلا يقال: إنه يُحِبُّ العدمَ المحض والنفيَ الصرف، كما لم يتعلق به حمد ولا ذم ولا ثواب ولا عقاب، والله خلق الجن والإنس، والغايةُ المحبوبة منهم التي بها يَكمُلُون ويصلحون وينالون الكرامةَ ويحبُّهم الحقُّ أن يعبدوه، فإذا لم يَبلُغوا هذه الغايةَ لم يبلغوا سعادتَهم، ولا محبوبَ الحقِّ منهم. ثم إن منهم من شاء كونَ العبادة أمنه، فأعانَه، ومنهم من لم يشأكونَ ذلك منه فلم يُعِنْه، ولكنه من ذَرْئه لجهنم.
السؤال الثاني: أيُ مقصود له في أن يعبدوه ويحمدوه إذا كان غنيّا عن العالمين؟ وهو أحدٌ صمدٌ، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد. ثم إما أن يكون يحصل بالعبادة ما لم يكن حاصلاً، فيكون قبله ناقصاً، أو يكون قبل العبادة وبعدها سواء، فسِيَّانِ عبدوه أو لم يعبدوه. ويتصل ذلك الكلام في حلول الحوادث به، إذا حصل له بالعبادة ما لم يكن حاصلاً.
وهذا السؤال هو الذي منع جمهور متكلمي أهل الإثبات عن التعليل وردّ الأصول إلى محض المشيئة، فيقولون في الجواب: غِناه عن العالمين لا يَمنع أن يحبَّ ويرضى ويفرح، والإيمان به، وعبادته، وشكره، والعمل الصالح، وأن يفرح بتوبة التائب (?)، لأن هذه الأشياء