فصل
في حق الله على عباده، وقِسْمِه من أم القرآن، وما يتعلق بذلك من محبته وفرحه ورضاه، ونحو ذلك.
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)) وقوله: (ما أريد منهم من رزق) هو نكرة في سياق النفي، تعم كل رزق، فيعمُ اللفظ: مِن رزقٍ لي، ومن رزقي لهم، ومن رزقٍ من بعضهم لبعض، لكن قوله بعد ذلك: (وما أريد ان يطعمون (57)) والإطعام هو رزق له، فقد يقال: هو تخصيص بعد تعميم، وقد يقال: الأول رزق المخلوق والثاني [يتعلق] بالخالق، فيكون المعنى: ما خلقتهم إلا ليعبدون، لا ليطعمون، ولا ليرزقوا (?) أحداً، فإن الله هو الرزاق الذي يرزق الخلق، وهو ذو القوة المتين.
فبيَّن الله بهذه الاَية أنه خلقهم لعبادته التي أرادها منهم، فهي مراده ومطلوبه، لا يريد منهم أن يرزقوه، ولا أن يطعموه، لأنه لما نفى الإرادة عن الرزق وإطعامه، دلَّ على إثباتها للعبادة، وفي إثباتها للعبادة ونفي إرادة الرزق والإطعام دليلٌ (?) على أن له حقاً عليهم