فتدبَّرْ العدل والبغي، واعلم أن عامة الفساد من جهة البغي، ولو كان كل باغٍ يعلم أنه باغٍ لهانت القضيةُ، بل كثير منهم أو أكثرهم لا يعلمون أنهم بُغاة، بل يعتقدون أن العدل منهم، أو يُعرِضون عن تصور بَغْيِهم، ولولا هذا لم تكن البغاة متاولين، بل كانوا ظلمةً ظلمًا صريحًا، وهم البغاة الذين لا تاويل معهم.
وهذا القدر من البغي بتاويل (?)، وأحيانًا بغير تأويل، يقع فيه الأكابر من أهل العلم، ومن أهل الدين، فإنهم ليسوا أفضل من السابقين الأولين، ولما وقعت الفتنة الكبرى كانوا فيها ثلاثة أحزاب، قوم يقاتلون مع أولى الطائفتين بالحق، وقوم يقاتلون مع الأخرى، وقوم قعدوا اتباعًا لما جاء من النصوص في الإمساك في الفتنة.
والفتن التي يقع فيها التهاجر والتباغض والتطاعن والتلاعن ونحو ذلك هي فتنٌ، وإن لم تَبلُغِ السيفَ، وكل ذلك تفرق بغيًا، فعليك بالعدل والاعتدال والاقتصاد في جميع الأمور، ومتابعة الكتاب والسنة، وردّ ما تنازعت فيه الأمة إلى الله والرسول، وإن كان المتنازعون (?) أهل فضائل عظيمة ومقامات كريمة، والله يوفقنا لما يحبه ويرضاه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تمت القاعدة