الثاني: أن يقال: هَبْ أن نفقتَه واجبةٌ عليه، فإنما ذلك بشرط أن لا يكون قادرًا على الكَسْب وأن يطالب بها، فإذا كان متمكنًا من أخذ الزكاة واختار ذلك لم تجب النفقةُ في هذا الحال. كما لو اختارَ أخذَ الزكاةِ من أجنبي، فإن النفقة لا تجب في هذا الحال إجماعًا. وليس أن يُمنَع من الزكاة لأجل وجوب النفقة بأولَى من أن يُمنَع من النفقة لأجل وجوب الزكاة، بل هذا أولى، لأن الصدقةَ مالٌ أباحَه الله له ولأمثالِه، فإذا كان قادرًا عليه لم يكن به حاجةٌ إلى النفقة، والنفقة إنما وجبتْ عند العجز عن الاكتساب، وأخذُ الزكاة من جملة وجوهِ الاكتساب.
وكما أن الصدقة لا تَحِلُّ لغنيّ ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ، فهو أيضًا لا يستحقُّ النفقةَ.
الوجه الثالث: لو وجبتْ نفقتُه على غيره، وامتنعَ ذلك الغير من إعطائها، كان له أخذُ الزكاةِ بالاتفاق. فهذا القريبُ لو قُدِّرَ امتناعُه من الإنفاق لم يَحرُمْ على هذا أخذُ زكاتِه. ولا يقال: الزكاةُ لم تَسقُط عن ذلك، بل غايةُ ما يُقال: إنه عاصٍ بتَرْكِ النفقة.
الرابع: أن يقال: لا ريبَ أنه يجبُ إغناءُ هذا الفقير، فإمَّا أن يُغْنِيَه قريبُه من مالِه وإمَّا من الزكاة، فالواجب إمّا الإنفاق عينًا وإمّا الزكاةُ عينًا وإمَّا أحدهما، وإيجاب الإنفاق عينًا مع تمكُّنِ المحتاج من أخذِ الزكاة ومع اختيارِه لذلك لا يقول به أحد، وأما إيجاب إعطاء الزكاة عينًا مع اختيار ربِّ المالِ أن يَصِلَ رَحِمَه من ماله فلا يقول به أحدٌ، فمتى اختار الفقيرُ أخذَ الزكاةِ فله ذلك، ومتى اختار الغنيُّ صلتَه من مالِه فله ذلك إذا اختارَ الفقيرَ، ولو أرادَ الفقيرُ أن لا يَقبل الصلةَ وقال: لا آخذُ إلا من