ولمَّا فتحَ مكةَ كان يُصلّي ركعتين، وأقام بها تسعةَ عشرَ يومًا يُصلّي بها ركعتين، وقال لأهل مكة: يا أهل مكةَ أَتِمُّوا صلاتكم فإنَّا قومٌ سَفرٌ (?).
وأما في حجة الوداع فكان يُصلّي بعرفةَ ومزدلفةَ ومِنى ركعتين، ويُصلِّي وراءَه الحجَّاج من أهلِ مكة وغيرِهم، ولم يقل لهم: أَتِمُّوا صلاتكم فإنَّا قومٌ سفرٌ، ولا روى ذلك أحدٌ من أهل الحديث، ولكن ذكرَ ذلك بعضُ المصنِّفين في الرَّأي، واشتبَه عليه قولُه لهم بمكة في غزوة الفتح، فظنَّ أنه قال في سفرِه بهم إلى عرفةَ ومزدلفة ومنى.
وكذلك ذكر بعضُهم أن عمر بن الخطّاب قال ذلك بمنى في حجه، وهذا خطأٌ رواه بعض العراقيين، والصواب الثابت الذي رواه مالك وغيرُه أن عمر إنما قال ذلك بمكة (?).
ولهذا كان أصحّ أقوال العلماء أن أهل مكة يَقصُرون ويجمعون بعرفةَ ومزدلفةَ، كما هو مذهب أكثر فقهاء مكة والمدينة، وهو مذهب مالكٍ وغيرِه وقولُ طائفةٍ من أصحابِ أحمد كأبي الخطاب في "العبادات الخمس".
وقيل: يجمعون ولا يَقصُرون، كقولِ أبي حنيفة، وهو المنقول عن أحمد، وقد أجاب بأنهم لا يقصرون، ولم يَنْهَهم عن الجمع. ولهذا جَزَمَ أبو محمد وغيره من أصحابِ أحمد أنهم يجمعون، وخَطَّأَ