والقراَن لم يأمر بقتالِ البغاة ابتداءً، بل قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)) (?).
وما حرَّمه الله تعالى من البغي والقتل وغير ذلك إذا فعلَه الرجلُ متأوِّلاً مجتهدًا معتقدًا أنه ليس بحرامٍ لم يكن بذلك كافرًا ولا فاسقًا، بل ولا قَوَدَ في ذلك ولا ديةَ ولا كفارة، كما قال الزهري: وَقَعتِ الفتنةُ وأصحابُ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متوافرون، فأجمعوا أن كلَّ دم أو مالٍ أو فرجٍ أصيبَ بتأويل القرآن فهو هدر. وقد ثبتَ في الصحيح (?) أن أسامةَ بن زيدٍ قَتَلَ رجلاً من الكفار بعد ما قال "لا إله إلاّ الله "، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يا أسامةُ، أقتلتَه بعد ما قال لا إله إلاّ الله؟! " قال؟ فقلتُ: يا رسول الله، إنما قالَها تَعوُّذًا، فقال: "هلاَّ شَقَقْتَ عن قَلْبه". وكرَّرَ عليه قوله: "أقَتلتَه بعد ما قال لا إله إلاّ الله؟ ". ومع هذا فلمَ يحكم عليه بقَوَدٍ ولا دِيةٍ ولا كفارةٍ، لأنه كان متأوِّلاً اعتقدَ جوازَ قتلِه بهذا. مع ما رُوِيَ عنه أنّ رجلاً قال له: أرأيتَ إن قَطعَ رجل من الكفَّار يدي ثمَّ أسلمَ، فلما أردتُ أن أقتلَه لاَذَ منّي بشجرةٍ، أأقتُلُه؟ فقال: "إن قَتلتَه كنتَ بمنزلتِه قبلَ أن يقولَ ما قال، وكان بمنزلتك قبلَ أن تَقتلَه " (?). فبيَّن أنك تكونُ