بدَّ له من سبب، لكن الوجود يتوقف على وجود السبب وانتفاء المانع، والعدم يكفي فيه كلُّ واحدٍ من عدم المقتضي ووجود المانع، فالوجود مفتقرٌ إلى الأمرين كليهما، والعدم يكفي فيه أحدهما إذا عُنيَ بالسبب العلة المقتضية دون التامة، وأما إذا عُني به العلة التامة فهذه العلةُ يلزم من وجودها وجودُ المعلول، ومن عَدَمِها عدمُ المعلول، فالوجود لا يقف إلا على وجودها، والعدم لا يقف إلاّ على عدمها.
وبهذا التفسير تزول الشبهةُ الواقعة بين كثير من الناس في مثل هذه المَحارات والمضطربات التي يكثر فيها النزاعُ والجدال، وينتشر فيها القيل والقال، ويحصل فيها التفرق والاختلاف، ويزول بها الاجتماع والائتلاف، فإذا فُسِّرت الأسماءُ المشتركة وفُصلَ الحقُّ من الباطل وحُكِمَ بالعدل بين الفِرَق والمقالات ظهر الكتابُ والسنة والجماعة، وزال الضلالُ والبدعة والفرقة.
فنقول: العلة والموجب والمقتضي والباعث والسبب والمناط والمحرِّك والداعي ونحو ذَلك من الأسماء هي أسماءٌ متقاربة، تكون مترادفةً من وجهٍ ومتباينةً من وجهٍ، وفيها تقسيمان:
أحدهما: أن العلة تنقسم إلى تامة موجبة يُوجد بها المعلولُ لا محالةَ، وإلى مقتضيةٍ قاصرةٍ تَقِفُ على شروطٍ وانتفاءِ موانع. ولفظ العلة يُعبَّر به عن كلِّ من المعنيين في أصولِ الدين وأصولِ الفقه وفي الكلام والفلسفة وغيرِ ذلك.
فأما الأولى فلا تُوجَد إلاّ مجموع أمور، وما ثمَّ سبب واحدٌ يُوجب مسبَّبَه لا محالةَ وينتفي مسبّبه عند انتفائه إلاّ مشيئة الله، فإنه ما شاءَ كَان