الحمد لله رب العالمين. قال الشيخ الإمام العالم المحقق أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله:
فصل
قاعدة في إرادة العدم والإعدام واستطاعته وفعله
وطلبه والتعليل به ونحو ذلك
قد ذكرتُ بعض ما يتعلق بذلك عند الكلام في العلم بالمعدوم، ومسألة النهي هل هو طلب العدم أو الوجود، وعند الكلام في إحسان الله لخلق كل شيء، وأنه إنما لا يُصرَف إليه المعدوم ونحو ذلك. ونحن نذكر هنا قاعدة، فنقول:
الصفات المتعلقة بالوجود مثل: العلم والإرادة والأمر والقدرة والفعل والسبب الفاعل كيف يتعلق بالعدم؟ أما العلم فقد قررنا في غير هذا الموضع أنه إنما يُعلَم المعدومُ بطريق التَّبع للعلم بالوجود، وكذلك قررنا أنه إنما يُراد المعدومُ بطريق التَّبع للموجود، فإن الشاعر منا لا يُدرِك بنفسِه ابتداءً عدمَ شيء، وإنما يُدرِك الوجود، ثم يُقَدِّر في نفسه ما يُركِّبُه أو يُفرِّعُه منَ أجزاء الوجود، مثل تقدير إلهٍ آخر، أو نبى بعد محمدٍ، أو جبلِ ياقوت، أو بحرِ زئْبقٍ، فحينئذٍ يعلم أنه لا إله إلا الله، وأنه لا نبي بعد محمد، وأنه ليس هنا جبل ياقوت وبحرُ زئبق، وإنما يَعلم ذلك بعد أن يكون عَلِمَ إلهًا موجودًا ونبيًّا موجودًا وبحرًا وجبلاً وياقوتًا وزِئبقًا، وأما ما لم يتصور مفرداته من الموجود فإدراكُ عدمِه مثلُ عدمِ إدراكِه، كما قال تعالى: (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي