فصل
وكذلك كما يمتنع أن يكون في الشخص الواحد أن يكون علة لنفسه ومعلولاً لها في الفاعل والغاية، يمتنع أن يكون جزء علته أو شرط علته، فلا يكون فعل فاعله محتاجًا إلى وجود شيء منه، ولا يكون في المقصود شيء منه، وكذلك أفعاله، كما لا يجوز أن يكون حدوث اعتقاده وقصده وقدرته منه، فلا يجوز أن يكون علة كل فعله حادثًا بفعله الذي حدث بفعله، ولا يجوز أن يكون حادثًا بعلة فعله جزؤها أو شرطها المتقدم على المعلول، لكن يجوز أن يكون هو فعلاً في حدوث المعلول بحيث لا يحدث هذا الفعل إلا مع هذا الفعل أو نحو ذلك، فإن الشرط إنما يجب أن يقارن المشروط، لا يجب أن يتقدم عليه. وأما العلة فيجب تقدمها عليه، فلو كان الفعل علة أو جزء علة لزم تقدم كل منهما على الآخر.
وأما كون أحد الفعلين مشروطا بالآخر فهذا لا محذور فيه، وكذلك لا محذور في كون الفعل يحدث بأسباب بعضها من الإنسان، ويكون ذاك السبب متقدمًا على الفعل، فكذلك لا يجوز أن تكون لذته المنقضية هي العلة الغائية مطلقًا، لوجود قصده وعمله، ولا جزءًا من العلة، وإن كانت شرطًا في وجود المعلول الذي هو المقصود لذاته.
ولهذا يوجد بعد حصول اللذة نفسه تطلب أمورًا أخرى وتقصدها، ولا تطمئن القلوب وتسكن إلا إلى الله، كما قال: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)) (?)، وذلك لأن ما يتعقبه العدم لا يصلح أن يكون