قديم واجبٍ أمرٌ ضروري فطري في النفوس كلها.
ولهذا تجد جميع الأمم معرفةً بالله فطريةً، فإن أخطأ بعضهم عينَه فاعتقده غير ما هو، فالمقصود الأول هو الله، والقلب مفطور على الحنيفية التي هي الإقرار بالله وعبادته المتضمنة معرفته ومحبته. ولكن قد يَعرِضُ للفطرة ما يغيرها، وإذا كان كذلك، فقد دلّ الكتاب والسنة- في غير موضع- على أن من كان هذا مقصوده، وكان مجتهدًا في ذلك، فإنه يحصل له الهدى، وأن من اتبع هواه فلم يكن الحق مقصوده، ضلّ عن سبيله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (?)، فإن المجاهد في الله لا بد له من شيئين:
أحدهما: محبة الله وإرادته المستلزمة بُغْضَ عدوه.
والثاني: الاجتهاد في دفع ما يبغضه الحق ويكرهه، بقهر عدوه، ليحصل ما يحبه الحق ويرضاه بعلو كلمته، وأن يكون الدين كله لله.
فالمجتهد في تحصيل محبوبه ودفع مكروهه، هو المجاهد في سبيله، وهو الذي استفرغ وُسْعَه في ذلك حتى جاهد أعداءه الظاهرين والباطنيين، فيجتمع في المجاهد في سبيله شيئان: كمال القصد، وكمال العمل.
فالأول: أن مقصوده هو الله، فهو معبوده ومحبوبه.
والثاني؟ أنه يستفرغ مقدوره في تحصيل هذا المقصود.