فكما أن الفاعل المبدع أكمل من المفعول، فالمفعول لأجله- الذي هو المحبوب المقصود المعبود- أكمل من الفاعل، بل العلة الغائية أكمل من العلة الفاعلية، فإنها هي التي جعلت الفاعل فاعلاً، ولولا ذلك لم يكن فاعلاً، وإن كان الفاعل مستغنيًا عنها من جهة نفسه، لا من جهة كونه فاعلاً، والغائية غير مفتقرة إلى، الفاعل من حيث كونها غاية ومطلوبة، بل هي في نفسها غاية ومطلوب، سواء قُدِّر وجود الفاعل أو عدمه، لكن لا ينال المقصود بها إلا بالفاعل، فحصول المقصود بها كحصول الفعل من الفاعل.
فالفعل سبب ووسيلة إلى المقصود بها، ومعلوم أن المقاصد أشرف من الوسائل، ولهذا قدم سبحانه قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) على قوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)) لأن العبادة هي المقصود المطلوب، والاستعانة سبب ووسيلة إليها.
وكونه سبحانه إلهًا معبودًا للخلق أكمل من جهة كونه ربًّا مُعِينًا لهم من جهتهم ومن جهته.
أما من جهتهم فإن من لم يعبده منهم، فلم يؤمن به، ولم يطع رسله، يكون شقيًّا معذَّبًا، وإن كان مربوبًا مخلوقًا، وإنما سعادتهم إذا عبدوه فاَمنوا به وأطاعوا رسله.
وأما من جهته فإنه يكون إلهًا يفتقرون إلى ذاته، ويكون ربًّا يفتقرون إلى ما منه، وكون الشيء مقصودًا لنفسه أشرف من كونه مقصودًا لغيره.