المخلوقات، إذ كان ذلك من لوازم الحكمة المرادة، وامتنع وجود الحكمة المرادة بدون ذلك. وإذا كان العبد لا يقبح منه إيلام الحيوان لحكمةٍ راجحة، فالخالق أولى أن لا يقبُح منه ذلك.
وإذا قيل: فقد كان يمكن وجود الحكمة بدون ذلك.
قيل: هذا قولٌ بلا علم، فمن أين لكم ذلك؟ وهو سبحانه وتعالى على كلِّ شيء قدير، والممتنع ليس بشيء باتفاق العقلاء، فمن أين علمتم أن ذلك ممكن غير ممتنع حين تناوله القدرة؟ وعدمُ العلم بالامتناع غيرُ العلم بعدم الامتناع، وكذلك عدم العلم بالإمكان غير العلم بعدم الإمكان، وعدم العلم بالوجوب غير العلم بعدم الوجوب. ونظائر هذا متعددة.
ولكن كثير من الناس يشتبه عليهم هذا، فإذا لم يعلم أحدهم أنَّ الشيء موجود، أو واجبٌ، أو ممكنٌ، أو ممتنعٌ، ظنَّ أنه غير موجود، أو غير واجب ممكن، أو غير ممتنع؛ فيجعلون عدم العلم علمًا بالعدم! وهذا مما نهى الله عنه بقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].
ولهذا كان النافي عليه الدليل، وأما المانع المطالب بالدليل؛ فليس عليه دليل، لأن النافي نفى وأخبر بالنفي، فليس له أن ينفي بلا علم، كما ليس له أن يُثبت بلا علم، بخلاف المانع المطالب، فإنه لم ينف ولم يثبت، بل طالب المثبت بدليل الإثبات.
والإنسان ليس له أن يتكلم بلا علمٍ، لا في النفي ولا في الإثبات،