والرسُل صلوات الله عليهم وسلامه إذا بلّغوا الناسَ رسالات ربهم، فإنه بما جعل الله في الناس من العقول، وبما أُتوا به من الآيات يُعرف صدق الرسل ويحصل الإيمان بهم، وبمجرّد العقل قد يعرف الإنسان أن له خالقًا، ويعرف بعضَ صفاته، وأما التفاصيل التي جاءت بها الرسل فلا تُعرف إلا من جهتهم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءِ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50].
ومحمد صلوات الله عليه وسلامه كان أكمل الناس عقلًا، وكان مُقرًّا بربه عزّ وجل قبل النبوّة، ومع هذا فقد قال: {وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50]، وقال الله تعالى له: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} [الشورى: 52] وهو الإيمان بالغيب الذي جاء به جبريل عليه السلام، الذي لم يكن يعرفه قبل هذا.
وتعريف الرسل على وجهين: تارة تُنبِّه القلوب وترشدها وتذكِّرها بما فيها، فيعلم الإنسان بعقله ونظره واستدلاله الذي دلَّه عليه الرسول وأرشده إليه ما أخبره به الرسول، ولا يكون في هذا مقلِّدًا للمخبر ولا