والقرآن والسنة المتواترة قد دلَّت على مثل ما أجمع عليه هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم، والعُقول والفطرة تشهد بذلك؛ فإن الله سبحانه كان قبل أن يخلق السموات والأرض ثم خلقهما، ولا يجوز أن يكون خَلَقهما ثم دخل فيهما؛ فإنه سبحانه مقدَّسٌ عن ذلك. فعُلِمَ أنه خَلَق الخلق ولم يدخل فيهم، بل هو بائنٌ عن الخلق، وهو عليم بأحوالهم، كما قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد: 4].

قال ابن عبد البر: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين أُخِذَ عنهم تفسير القرآن على أن معنى الآية: أنه مع الخلق بعلمٍ وهو فوق العرش، وما خالفهم في ذلك أحدٌ يُحتجُّ بقوله.

وأمّا قول القائل: لا يجوز أن يقال عن الله: «نفسه» فيكون تشبيهًا.

فهذا ضالٌّ مفترٍ، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل؛ فإن الله تعالى قال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ} [الأنعام: 54]، وقال لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41]، وقال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 30]، وقال المسيح عليه السلام: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015