والكلام ليس فيه حسه لحسن الظاهر؛ فإن هذا مع شهود القلب لا يضر، وإنما الكلام في مغيب القلب بحيث [يذهب] بعض عقله وتمييزه، أو ضعف قوَّته وقدرته، فإن العلم والقدرة صفة كمال.
والنوع الثاني: الفناء عن شهود السِّوى، فهذا هو الذي يقارنه الاصطلام، والسُّكر، والطمس، والمَحْق، فيغيب بموجوده عن وجوده، وبمعبوده عن عبادته، وبمعروفه عن عرفانه، وبمشهوده عن شهادته، حتى لا يشعر بالسِّوى.
فهذا هو الذي تنازع فيه الناس، هل هو غاية السالكين، أو مقامٌ لازمٌ لهم، أو حال يعاين صاحبه، أو أمر عارض لهم؟
ومن جعل هذا غايةً فقد ضلَّ ضلالًا مبينًا، وإن كان قد وقع في ذلك طوائف من الشيوخ. ولهذا شاركهم في ذلك طوائف من المتفلسفة، كابن سينا البخاري، وابن الطفيل القرطبي صاحب رسالة حيّ بن يقظان، وأمثالهم ممن يتكلم في التصوّف على طريقة الفلاسفة.
وقد عُلِم أن تصوُّفَ الفلاسفةِ من أبعد الأمور عن دين الإسلام، وخيرٌ منه تصوّف أهل الكلام المُحْدَث، مع ما فيه من البِدَع.